ما أن يقترب موعد الشهر الفضيل حتى تشرع القنوات المغربية في نشر (غسيلها) عفوا منتوجاتها الكوميدية و الدرامية والعربية و الأجنبية و المدبلجة (و بالدارجة آسيدي) ووو...وتعمل على ترويجها بشكل يلفت الأنظار و يسلب الألباب ، مبينة أن إنتاج هذه السنة يخالف ما سبقه في السنوات السابقة. و أن دوزيم ستجمعنا، و الأولى ستطوينا، بينما المغربية ستشتتنا. لست أدري لم يخصص شهر عظيم اختصه الله عز و جل ليكون شهر القرآن و الصيام و العبادة ، بكل هذا الزخم من المسلسلات ( الساقطة أحيانا ) و السيتكومات الهزلية و السهرات الليلية؟ لست أدري ما يدور في خلد المسؤولين عن الإعلام المغربي، و هم يعدون للمواطن المغربي المسلم _ و في رمضان _ تلك المهازل التلفزيونية التي يحتفظون بها خصيصا للشهر الفضيل ، دونا عن سائر الشهور؟ وما دام أن السؤال أوضح من أن يجاب عليه، فإنني أقول: لقد أتقن مسؤولونا فن إلهاء الناس عن قضايهم الكبرى (الدينية و الدنيوية معا)، حتى صار التدين بالنسبة لهم خطرا يهدد مصالحهم الحيوية، فبدل أن يستشعر الصائم فرحة إفطاره، و نعمة ربه عليه و هو ينهي يوم صومه، فإنهم يشنفون سمعه و بصره بمشاهد و سلسلات يدعون أنها هزلية، بينما هي في قمة الرتابة و الملل و قلة الحياء ( في كثير من الأحيان) تشاهدها الأسرة مجتمعة و (تصرطها) على مضض. و بدل أن يشهد صلاة التراويح مع المسلمين في المسجد، فإنه يجبر على فتح فمه أمام المسلسلات التركية و الهندية المدبلجة. كيف كان آباؤنا و أجدادنا و سلفنا الصالح يمضون وقتهم في رمضان؟ كان الامام الشافعي في رمضان يختم القرآن 60 مرة.. أي: ختمتان في اليوم! وكان الامام احمد يغلق الكتب ويقول هذا شهر القرآن.. وكان الامام مالك بن انس لا يفتي ولا يدرس في رمضان ويقول هذا شهر القرآن.. احتضر احد السلف فجلس ابناءه يبكون فقال لهم: لم تبكون ؟ فوالله لقد كنت اختم في رمضان في هذا المسجد عند كل سارية 10 مرات. وكان في المسجد 4 ساريات.. أي أنه كان يختم 40 مرة في رمضان. هذه صور أناس عاشوا رمضان الحقيقي ، و نحن أريد لنا أن نعيش قشور رمضان، أريد لنا أن تصوم الأجساد عن الطعام و الشراب ، بينما تغرق الأرواح في العبث و اللهو الزائد. لست ضد المرح و الترويح عن النفس من أجل استعادة نشاطها و حيويتها، و لكن الشيء إذا زاد عن حده انقلب الى ضده. و هذا الضد هو ما يسعى اليه مروجو ثقافة (إنتاج رمضان). فها قد فتحت لكم الأبواب، وأقبل عليكم أكرم الضيوف، فبم أنتم مكرموه، وبم أنتم مضيفوه؟