الجامعة الوطنية للصحة بالمضيق-الفنيدق تصعّد ضد تردي الوضع الصحي    تطوان: اختتام المرحلة الأخيرة من برنامج تكوين حرفيي النسيج والجلد    توقيف مشتبه فيه بوزان بعد تورطه في جريمة قتل واعتداء بالسلاح الأبيض    ناس الغيوان تلهب حماس الجمهور في حفل استثنائي في ستراسبورغ    بما فيها "الاستبعاد المدرسي".. "الصحة" و"التعليم" تطلقان تدابير جديدة في المدارس لمواجهة انتشار الأمراض المعدية    الدفاع الجديدي يطالب بصرامة تحكيمية ترتقي بالمنتوج الكروي    الرباط على موعد مع الإثارة : قرعة كأس أمم إفريقيا 2025 تشعل الأجواء!    بعد النتائج السلبية.. رئيس الرجاء عادل هالا يعلن استقالته من منصبه    الأرصاد تحذر من رياح قوية وتساقطات ثلجية بالمرتفعات    حماس: عودة النازحين هي انتصار لشعبنا وإعلان فشل وهزيمة الاحتلال ومخططات التهجير    مسرح البدوي يخلد الذكرى الثالثة لرحيل عميد المسرح المغربي الأستاذ عبدالقادر البدوي.    المغرب يفاجئ الكاف بإضافة ثلاثة ملاعب لاستضافة كأس أمم إفريقيا 2025    بورصة البيضاء تفتتح التداولات بارتفاع    مصرع خمسة عمال جراء انفجار بأحد الانفاق بتارودانت    هروب جماعي من سجن في الكونغو    "لوبيات" ضغط أوربية تلعب ورقة "الكادميوم" لكبح صادرات الأسمدة المغربية    مشاهير مغاربة يتصدرون الترشيحات النهائية ل "العراق أواردز"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    كأس إفريقيا للأمم…تصنيف المنتخبات في القرعة    المعارضة تطالب باستدعاء التهراوي    انتشال جثث 5 ضحايا من نفق سد المختار السوسي بتارودانت.. وخال كاتب دولة من بين الضحايا    21 مطلباً على طاولة الوزارة.. المتصرفون التربويون يخرجون للاحتجاج ويهددون بالتصعيد    المنتخب المغربي لكرة القدم لأقل من 17 سنة ينهزم وديا أمام غينيا بيساو    "الكاف" يعقد اجتماع بالرباط لمناقشة عدة نقاط أبرزها "كان المغرب 2025"    متى تأخر المسلمون، وتقدم غيرهم؟    المال من ريبة إلى أخرى عند بول ريكور    البواري: إحصاء القطيع خطوة أولى لمواجهة أزمة الماشية وتحديد الخصاص    لأول مرة في تاريخه.. المغرب يدخل عصر إنتاج الغاز الطبيعي المسال    أمطار وزخات رعدية متوقعة في عدة مناطق بالمغرب مع طقس متقلب اليوم    الولايات المتحدة تعلن تمديد وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حتى 18 فبراير    ماذا يقع في وزارة النقل؟.. هل يواجه الوزير قيوح عناد "العفاريت والتماسيح"؟    مؤثر إسباني: شغف المغاربة بكرة القدم الإسبانية يجعلني أشعر وكأنني واحد منهم    ريدوان يهدي المنتخب المغربي أغنية جديدة بعنوان "مغربي مغربي"    الكرملين ينتظر إشارات من واشنطن لاجتماع محتمل بين بوتين وترامب    نقابة التعليم العالي تدين توقيف أستاذين بجامعة محمد الخامس وتدعو إلى سحب القرار    إضراب واعتصام أمام الادارة العامة للتكوين المهني لهذا السبب    وعود ترامب الثلاثة التي تهم المغرب    انتشال جثتين من سد المختار السوسي فيما لازال البحث جاريا عن 3 مفقودين    كيوسك الإثنين | شركة ألمانية تنخرط في مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا    وفد عسكري مغربي يزور مؤسسات تاريخية عسكرية في إسبانيا لتعزيز التعاون    انخفاض أسعار الذهب مع ارتفاع الدولار    الصين: قدرة تخزين الطاقة الجديدة تتجاوز 70 مليون كيلووات    بدء عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة    طلبة الطب والصيدلة يطالبون بتسريع تنزيل اتفاق التسوية    تراجع أسعار النفط بعد دعوة الرئيس ترامب أوبك إلى خفض الأسعار    تايلاند تصرف دعما لكبار السن بقيمة 890 مليون دولار لإنعاش الاقتصاد    برودة القدمين المستمرة تدق ناقوس الخطر    شكاية سيدة وابنتها حول النصب والاحتيال والابتزاز ضد رئيس جماعة على طاولة وكيل الملك بابتدائية سيدي بنور    ندوة ترثي المؤرخة لطيفة الكندوز    حريق جزئي في بناية 'دار النيابة' التاريخية بطنجة بسبب تماس كهربائي    تراجع للدرهم أمام الأورو.. و4% نمو سنوي في الاحتياطيات    بعد نجاحه مع نشيد ريال مدريد.. ريدوان يستعد لإطلاق أغنية خاصة ب"أسود الأطلس"    جمعوية: الكلاب المتخلى عنها الأخطر على المواطنين مقارنة بالضالة    شبكة صحية تنتقد الفشل في التصدي ل"بوحمرون" وتدعو لإعلان حالة طوارئ صحية    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيوب المُزيّنْ : لم أعدْ أحبّذ التكلم إلا عن جهاد النّمل وحروب النحل ونكاح الذباب
نشر في مرايا برس يوم 31 - 07 - 2010

المزيّن: "علّمتني السنوات الطويلة التي قضيتها فوق رقعة الملعب بأنّ الحياة، مثل أيّ مقابلة في كرة القدم، قد تكون جميلة وعادلة كما قد تتحول في أيّ لحظة –وغالبا ما تفعل بنا ذلك- إلى منافسة عاهرة بقوانين مغشوشة وبحكّام مُرتشين".
من مواليد 22سبتمبر 1988 مدينة فاس، كاتب مُهتمّ بقضايا الأدب وفلسفة الأخلاق والميتافزيقا. له انشغالات بالإعلام الرّقمي، بالشبكات الاجتماعية وتطورات مجتمع المعرفة والإعلام. رأس تحرير أوّل جريدة إلكترونية مغربية "شباب المغرب" منذ تأسيسها وإلى حين إغلاقها، واشتغل محرّرا ثقافيا ببوابة الخبر.آنفو المغربية. ينكبّ على إحياء التراث العربي الإسلامي في كتاباته من خلال تداعيات ثقافية وفكرية، كما يشتغل بالتحليل والاستقراء على المعطيات التقنية والتكنولوجية المُستجدّة بخصوص ما يعتبره "انتقالة حضارية داخل المجتمع البشري". تُرجمت مقالاته وبعض نصوصه الأدبية إلى الفرنسية والسلوفاكية والعبرية. يعرض في هذا الحوار رأيه حول مسألة الكتابة وقضية الحياة، ويقدم مجموعة أفكار حول العمل الشبابي وكذلك واقع الأنترنت في الدّول العربية.
سؤال: تنشر بانتظام في عدّة مواقع وجرائد عربية في مواضيع مختلفة. لكنّ توجّهك الحالي، على عكس كتاباتكِ السّياسية السّابقة وبغض النظر أيضا عن اهتمامك بالشأن الرّقمي، بدأ يأخذ أبعادا أدبية وفلسفية. حدّثنا عن هذه الانتقالة من حقل إلى آخر وكلّمنا أكثر عن مشاريعك المستقبلية وعن طقوسك في الكتابة والحياة.
جواب: عندما طُلب منّا ملأ استمارة التوجيه في آخر سنة من المرحلة الإعدادية، تردّدتُ كثيرا في الاختيار بين دراسة الآداب وبين الاقتصاد. لكنّي انتهيت إلى الاقتصاد لدوافع متعددة؛ فقد كانت الشّعبة الأكثر انسجاما مع طموحاتي التحصيلية وقتها لأنّها تمنح فرصة تقوية القدرات المنهجية والتقنية/الحسابية بنفس المستوى وتفتح مجالا للتعاطي مع مراجعٍ ثرية باللغة الفرنسية التي أعشقها. وما إن حصلت على الباكالوريا فيها حتّى تغيّرت رؤيتي في طرح الأسئلة على الذّات وعلى الواقع؛ أصبحت الحاجة مُلحّة لفهم الحياة، لا باعتبارها تحليلات مبنية على استقراءات عدديّة وإنّما باعتبارها ورشة إنسانية كبرى نصنع فيها القيم ونبني داخلها عدالة ما. ولذلك، أغرتني دراسة القانون في البدء بمثالية التعاطي مع الإنسان. كنتُ حينها ولدا متعجرفا يسكنه أمل ملامسة المطلق. أمضيتُ ثلاث سنوات متقلّبة بين أحضان القانون، وبعض المداخل العامة إلى علم السياسة، ثم سرعان ما تحوّلت بكثير من اللذة والوجل إلى الاهتمام بالفلسفة المعاصرة، بعيدا عن التعليم النظامي، من خلال اكتشاف ديكارت وهيغل ثم، في وقت لاحق، نيتشه. هذه التقلبات المتواصلة في مساري التكويني هي التي أثّرت في اختيار المسالك الأدبية والتأملية التي أبتغيها إبّان هذه الفترة الحياتية؛ نفس التقلبات التي رافقتني في مرحلة الطفولة، داخل المدرسة والبيت والمسجد، ترخي بظلها على الأدوات التي أحفر بها أحشاء الأوراق وتجعل أسئلتي على الوجود، وطموحاتي في تعريته عبر الكتابة، أكثر حدّة وأدمى إيلاما. هنالك أهداف أحملها في دواخلي، لا ترقى لحدّ الآن إلى مستوى مشروع فكري متكامل لأنها تنتظر حقها من التراكم في الزمن والمكان. ما زلت أتمرّن على البساطة والسّلاسة السّردية التي أنوي بلوغها في الرواية عبر تصفية أسلوب متراصّ وعذب في جنس المقالة. للإجابة عن الشّطر الثاني من سؤالكِ أذكر بأنّ الكتابة فعل من أجل الإنسان ضدّ حياةٍ تُخادعه وأيّ ادعاء لطقوس معيّنة يشوش على البؤرة الزلزلاية داخل صناعة الحرف. طبعا لا أتحدّث عن أيّ نصّ ولا عن أيّ كتابة، وإنّما عن الكتابات العظيمة من أساطير ومصاحيف دُوّنت وشذرات ذهبية نسجها المتأخرون، وهم قلّة قليلة. نحن لا نحتاج طقوسا صوفية للكتابة. أما في الحياة، فكل يوم أستقبله آخذه على محمل المرح والقسوة كما لو كان قلبي الذي أنخر فيها بسكّين الحب. كل يوم جديد هو صفحة أسطّرها بالألم والفرح اللذين ينعشان سعادتي الحقيقية.
سؤال: شاركت خلال السّنوات الأخيرة في مجموعة من الأنشطة الدولية والإقليمية التي تهتم بالشباب. لماذا تراهن على هذا النّوع من اللقاءات لبداية مسارك على حساب مقاطعة الجامعة والتعليم النظامي؟ وهل بإمكان الشّباب فعلا الاستفادة من هذه الملتقيات؟
جواب: آمنت مبكّرا، ولربما بالصّدفة، بأنّ المعرفة الرّحبة والشاسعة وحدها قادرة على بناء مسار إنساني متين وممتع. لهذا السّبب تمرّدت صغيرا على الدّرس المدرسي، وعلى المؤسسة التعليمية برمّتها، وما زلت أتذكر كيف تحايلت على والديّ بإدّعاء الذهاب إلى مسجد القرويين للمراجعة لامتحانات الشهادة الابتدائية لأغادر في واقع الأمر إلى ملعب الحسن الثاني من أجل متابعة مقابلة الدّيربي بين الوداد والمغرب الفاسيين. أحببتُ كرة القدم بجنون وتعلّمت عن طريقها مراوغة الهموم، ومواجهتها إذا اقتضى الحال، واحترام ضوابط اللعب مع التحايل عليها إن اكتملت الظروف. لقد علّمتني السنوات الطويلة التي قضيتها فوق رقعة الملعب (منذ السابعة حتى الخامسة عشر من عمري) بأنّ الحياة، مثل أيّ مقابلة في كرة القدم، قد تكون جميلة وعادلة كما قد تتحول في أيّ لحظة –وغالبا ما تفعل بنا ذلك- إلى منافسة عاهرة بقوانين مغشوشة وبحكّام مرتشين. ولعلّ مراهنتي على التعليم الذاتي انبثقت من هذه الرغبة المتمرّدة في استطلاع المعرفة كنزوة غرائزية بداخلي لا كنظام قهر اجتماعي يُشعر الأطفال بالخوف من الفشل والعقاب ويقتل الروح الإبداعية بداخلهم.
بعد انقطاعي عن الجامعة، بدأت بالمشاركة في ورشات أدبية، كان أوّلها لقاء الأدباء الشباب بالأردن ثم تبعتها مجموعة اسهامات في مؤتمرات وندوات دولية مكّنتني من الانفتاح على الثقافات المختلفة في الشرق العربي وبعض الدّول الغربية وسمحت لي بتغيير مجموعة من الأفكار التي عشّشت برأسي لمدة ليست بالهيّنة. إنْ كانت هناك نصيحة يمكنني تقديمها للأجيال التي تلحقنا فإنّها التحريض على اللاتّمدرس الإجابي (Unschooling) وذلك حتى يضمنوا حيازة تعليم مُستجد وحيوي يمكنهم من الانخراط بسهولة في الحياة المقبلة دون أن يحرمهم من المتعة الطفولية المقبورة داخل أسوار المؤسسات الرّسمية. هنالك أيضا عامل آخر يبسّط عملية التنقل والمشاركة في هذا الحراك الشبابي الجديد وهو المشاع الرّقمي الذي يمنح فرصا للانخراط في مجموعات فنية ومعرفية ورياضية حسب حاجات اليافعين..
مقاطعا: لكن هل سيتفيدون من هذا الأمر في حياتهم المهنية؟
جواب: دون أدنى شك، يمكن استثمار كل هذه المناسبات للاستفادة من السّفر واكتشاف المعمور، كما ستتاح لهم فرص ثمينة للاحتكاك بأناس جدد وصقل مواهبهم ومهاراتهم. ويمكنهم في المستقبل القريب، من خلال تشبيك العلاقات، الحصول على فرص للعمل والاندماج داخل مؤسسات في مجموعة من التخصصات.
سؤال: قلت في إحدى حواراتك السّابقة بأنّ "الانترنت بصدد خلخلة المفاهيم القيميّة لنا كبشر بما في ذلك السّعادة والحب والكذب والحرية" كيف ذلك؟ ثم كيف ترى موقع الانترنت في الثقافة العربية اليوم؟
جواب: ملايين النّاس أحبّوا بعضهم من خلال صور البروفايلات وعبر متابعة الحياة اليومية لبعضهم البعض على الشبكات الاجتماعية. ملايين النّاس أيضا تعاركوا بكل الأسلحة المتاحة داخل هذا العالم الافتراضي الذي نسعى لفهمه قبل أن يتجاوزنا كما تجاوزنا العالم الواهم الذي نعيش فيه الآن. التقنيات المستعملة عبثت بمضامين قيمية كثيرة يمكن ملاحظتها بشكل ملموس في التجاربة الالكترونية مثلا والتي تمكن محترفيها من تحقيق الأرباح وشراء كل الحاجيات إلى أن تبلغهم حتى البيت دون مغادرته. لكي نحس بما يحدث من خلخلة تدور من حولنا من الضّروري علينا استيعاب الانترنت على أنّها حركة كونية ومرحلة حضارية في تاريخ البشرية لا باعتبارها مجرد تقنيات تُبسّط الاتصال وتُسرّع وتيرته لأنّنا سنكون بذلك نُغفل جوانبها الأكثر أهمية.
الأنترنت عالم معرفي بامتياز لأنه يشترط امتلاك مفاتيح عديدة لدخوله وعلى رأسها اللغة؛ يبدأ الأمر في مرحلة أولى بالتعامل مع الحاسوب أو مع آلة الرّبط بالشبكة كيفما كانت، ويقتضي بعد ذلك حيازة أيّ معرفة يبتغي المستعمل عرضها. العائق الأساسي أمام إدماج فعلي للأنترنت في الثقافة العربية -ومن ثمة اندماج المجتمعات العربية في مجتمع المعرفة والإعلام- يجد أصله في الإنسان العربي ذاته، فالعرب لا يمتلكون الأدوات الكافية للإحاطة بالوب كما ينبغي لأن غالبيتهم ما تزال تتخبّط في الأمية التقليدية ومنهم من يعيش بجهل جاهلي جدا. يطرح الوب أيضا خدعا لمستعمليه وهي أنّ بإمكان الجميع التواجد داخله على قدم المساواة: يمكننا معاينة مواطن عربي مبتهج ويتباهى بأنّه استحدث بريدا إلكترونيا على الهوتميل! توفر الشبكات والمواقع التفاعلية فضاء يُوهم المستعمل بأنه يساهم في صياغة القرارات السياسية عبر تعليقاته وإبحاره شبه الحر. لكن الأنترنت، في حقيقة الأمر، وإن كانت عالما يشجع على تداول المعلومات وتطارحها إلاّ أنّها بدأت شيئا فشيئا في خلق تكتلات نخبوية لصانعي القرار الفعليّين وشرعت في عزل البقية إلى موقع المشاهد، في تكرار يطابق –تقريبا- ما جرى سالفا.
سؤال: أشرفتَ على مجموعة من البحوث على الشبكة العنكبوتية، كما هو حالأول ترجمة عربية ل"بيان الأنترنت"، وهي ذاتها الوثيقة التي اعتمدها الموقع الرّسمي لأكاديميين ألمان أطلقوا مبادرةً اعتبرتَها ثورية بكل المقاييس، كيف تقرأ مستقبل الانترنت في البلدان العربية؟
جواب: تغزو الرّقمنة كل بقاع الأرض وتفرض نفسها بكل قوّة، وبالتالي فهي لم تعد خيارا وإنّما ضرورة في الوجود. إنّ أي رغبة في مستقبل مثمر وغني للأنترنت في البلدان العربية يجب أن يستوعب سد الفجوة الرقمية من جميع مناحيها خاصة على مستوى إثراء المحتوى العربي وتعزيز جودته. فالأرقام التي نشرها الاتحاد الدولي للاتصالات بخصوص الاستعمال فقط صادمة جدا. تصوّر أنّ عدد المستعملين في العالم العربي، حسب آخر إحصاءات هذا الاتحاد، لا يتعدى تقريبيا 54,34 مليون (من أصل ما يزيد عن 350 مليون عربي)، معظمهم متواجد في الدول المغاربية، بحيث تصل نسبة المستعلمين في المغرب مثلا إلى 14,27 مليون أي ما يتعدّى 42% من معدّل الساكنة، فيما يرتاد المصريون عل الأنترنت بنسبة 15,6% أي بما مجموعه 11 مليون مستعمل على أزيد من 76 مليون مواطن حسب إحصاء 2009. أما الأرقام في دول الخليج العربي عجيبة غريبة يمكن لأي متصفح أن يطّلع عليها وهو يضع علامات استفاهم كبيرة جدا.
لكل حيّ مستقبل قد يكون هو الموت. وللحضارة، كما للسيارة وللتلفاز، مدّة صلاحية تختلف حسب مستويات الاعتناء والصيانة والتطوير. بهذه الأرقام الكارثية التي أوردتها قبل حين سنبقى، كحضارة غير متواترة، مجرّد مستهلك بليد لا يعي خبايا الشبكة. ولقد سمعنا كلّنا تصريحات لرئيس الولايات الأمريكية يهدّد فيها بإغلاق محرّكات البحث وربما شلّ خدمة الارتباط بالشبكة بأكملها إن حدثت "حالة طوارئ" باستعمال عباراته. لا أدري كيف فهم المستعملون العرب هذا "القانون الأمني"، لكنّي على يقين من أنّهم يغفلون إيماءات كثيرة عن الذي يمسك بنقرة فأرته أرواح الإنسان الحديث ومن يغتال بكبسة زرّ لوحة مفاتيحه أحلاما وعلاقات. إنّهم يصنعون آلهة رقمية تعرف تفاصيلنا وتحدّد مصائرنا القادمة، ونحن غارقون في مهزلة بلا نهاية.
سؤال: تابعت مؤخرا تراجع مبيعات الجرائد في المغرب، بالموازاة مع ذلك احتضنت قبة البرلمان، خلال الأسابيع الماضية، الحوار الوطني حول الإعلام الذي خلف جدلا عارما. ماهي قراءتك لخلفيات هذا الحوار وآثاره؟
جواب: لا أفسّر تراجع مبيعات الجرائد المطبوعة بظهور الصّحافة الإلكترونية والإعلام الرقمي فقط وإنّما أيضا بتواضع المستوى العام للصّحافة الورقية شكلا ومضمونا. وهذا أمر ينطبق على التنافسية داخل العالم الرقمي ذاته، فالعُملة الحالية هي البقاء للأجود وطبعا للجودة معايير متباينة. وإن كان الاستفسار يدور حول الرأي القائل بأنّ الورق إلى زوال فإنّي لا أتفق مع ذلك. مستقبل الجرائد الورقية متوقف على قدرتها التنافسية وعلى قابلية التجديد داخل مؤسساتها.
في حقيقة الأمر، اعتبرتُ إطلاق الحوار الوطني حول الإعلام مبادرة جادّة وبالغة الأهمية لأمرين اثنين: أولهما، الظرفية المتردّية التي تعرفها السّاحة الإعلامية؛ ما يجعل منه أداة ضغط أساسية في أيدي المهنيين –بغض النظر عن أي تأويلات سياسية زائدة- لمطارحة انطباعهم وامتعاضهم مما يجري في ميدان عملهم. ثانيهما، أنّ الحوار لفت النظر إلى وجود إعلام جديد، وهذا في حدّ ذاته جيّد. المسؤولون عن الإعلام المغربي، بدءً بوزير الاتصال وانتهاءً بالمشرفين المباشرين على هذا الحوار ينتمون لجيل آخر، لجيل كهل، لم يولد وسط هذه الحركية الرقمية ولا في مجتمع له قابلية معرفية لاستيعابها بسرعة؛ تبدو لهم الأنترنت، كما تبدو لآباءنا وأمّهاتنا، مجرّد مزحة أو لعبة بأيدي أولادهم. وأنْ يفتحوا المجال للنقاش، داخل المؤسسة التشريعية، عن كل هذه "الألعاب التافهة" في نظرهم فذلك بحق خطوة جريئة. يبقى السؤال المطروح عن أولئك الذّين مثلوا المدوّنين والصحافة الإلكترونية في الحوار، ودخلوا بعقلية نقابية، بدت لي مراهقة وغير مسؤولة، لم تراعي الخصوصية المؤسساتية والتقنية التي تفرضها هذه المرحلة الابتدائية. فدخول لعبة ما يقتضي احترام شروط افتكاك الفرص وتسجيل النّقط، أيّها الإخوة والرّفاق!
سؤال: نرى اليوم أن العالم أصبح قرية صغيرة وهذا ما يخول للشباب التواصل على الشبكة العنكبوتية. هل يمكن لك أن تفسر لنا سبب هذا "الهروب" من الواقع اليومي إلى المواقع كالفيسبوك مثلا؟
جواب: تنتمي الشبكات الاجتماعية إلى جيل الحياة التي نعرفها، فهي تكتنف كلّ الحقائق اليومية التي نعيشها في الأماكن العامّة. من الصعب جدا توصيف الانخراط في العالم الافتراضي ب"الهروب"، لأنّ الهروب عادة ما ينتج عن فشل فاضح، أو عن تخمة نجاح، ويجعل صاحبه ينزوي إلى نفسه. أمّا المشاركة في الفيسبوك وفي غيره من المواقع المماثلة فتظهر رغبة في الانخراط داخل المجتمع الكوني، مع احتفاظ الأفراد بكافة رغباتهم الانطوائية (الاكتفاء بالأصدقاء المقربين جدا على قائمة الفيسبوك مع تقاسم معلومات ومحتوى شحيح) أو الانتفاح المتحفظ (التعرف على أصدقاء الأصدقاء وتشاطر بعض المعلومات الخاصة ومحتوى طفيف دون ملامسة الحميمية في التواصل) أو الانفتاح الكامل، عبر بلوغ درجات من الحميمية في التواصل قد تبدو فاضحة وغير محبّذة أحيانا. ويجب أن أشير أيضا إلى أنّ هذا الواقع الافتراضي، الذي نعلق عليه الكثير من الآمال الواهمة في الرّاحة النفسية والاقتراب، مطبوع بالارهاص المادّي، بالمشاكل الأسرية، بالأزمات العاطفية وبذات الاستحالة الوجودية: الموت وأخواتها. أي أنه لا يمنح، وإن هربنا إلى أعماق الرقاقات الإلكترونية، راحة ورخاءً أبديين ولا سرمديّة البقاء.
سؤال: نستشفّ عبر كتاباتكِ الأخيرة تحاملا على الأمة العربية. ما هي خلفية ذلك؟
جواب: لا تُطربني سياسة البشر، ولم أعدْ أحبّذ التكلم إلا عن جهاد النّمل وحروب النحل ونكاح الذباب. لكن بما أنّ السؤال يقتضي الإجابة فإني سأجيب. إذا اتفقنا على أنّ هنالك أمّة عربية، فإنّنا أبناء أمّة مهزومة. أحيانا يلزمنا الهدم لكي نبني وأحيانا أخرى يلزمنا التحوّل من تقدميين إلى نكوصيين -مغرقين في الرّجعية والبدائية- لفهم اللحظة وللتعايش معها، لأننا في نهاية الأمر نتعايش مع الحياة؛ عدوّنا المرعب الذي ننقم عليه ونُحبّه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.