لم يكن المنظر الماركسي الكبير كارل ماركس يتحدث من فراغ حين حلل البنيات الإجتماعية وطبيعة الصراع التي تلازم الطبقات المشكلة لأي مجتمع وأكد أن الطبقة أو الفئة الإجتماعية القادرة على إحداث تغيير حقيقي في طبيعة البناء الإجتماعي هي القادرة على خلق الأزمة داخله متى كان لها الوعي الكافي بدورها . وإذا علمنا حجم الأموال التي يرسلها المهجرون شهريا إلى وطنهم ودورها الحاسم في تحريك عجلة الإقتصاد العليل بحيث تشكل المورد الثاني للعملة الصعبة لخزينة الدولة , نصاب بالحيرة نتيجة الغياب التام لأثرها وتأثيرها في دعم المسار الديمقراطي الذي أجهض قبل ولادته . عكس ما أفرزته تجربة إيطاليا وإيرلندا وإسرائيل والمعروفة في علم الإقتصاد بنظرية الثلاثة إ . تجارب كان دور مهاجريها المقيمين في أمريكا الشمالية بالخصوص فيها حاسما في تحديث بنيات المجتمع في جوانبه الإقتصادية والسياسية والإجتماعية . مماجعلها تتبوأ مكانة متميزة على الساحة الدولية . عكس المهجرين المغاربة الرواد في إرسال العملة الصعبة حيث صنفوا في سنة ألفين وثمانية كرابع جالية وراء دول كبيرة مثل الهند والصين والمكسيك . لكنهم يتمغربون ما أن تطأ أقدامهم ارض الوطن . ورغم ندرة الدراسات الخاصة بالهجرة وسلوك المهاجر في دول الإقامة وسلوكه في موطنه الأصلي إلا أن شهري يوليوز وغشت من كل سنة يشكل حقلا خصبا سنويا للملاحظة والتحليل لنوع من إزدواجية الشخصية عجيبة وغريبة يتعايش معها المغربي بكل عفوية وتلقائية إلا في حالات استثنائية , سلوكات مفارقة يعجز أمهر النفسانيين عن حل طلاسيمها. فرغم الإقامة التي تمتد لشهور وسنوات في بلاد المهجر والتي تتطلب الإندماج والتعايش مع مواطنيها وما يعنيه دلك من احترام القوانين والتمتع بالحقوق المواطناتية والتشبع بقيمها الليبرالية فإن المهاجر والمهاجرة يتصرفون في موطنهم الأصلي من جهة كرعايا مسلوبي الإرادة في تعاملهم مع كل رموز الدولة ويتنازلون عن حقوقهم مؤقتا حفظا لمصالحهم أو خوفا من إنتقام لامراد لقضاءه قد يعصف بمستقبلهم الشخصي . ومن جهة كمغاربة فوق القانون في تعاملهم مع إخوتهم المغاربة المقهورين سواء في الطرقات أو الأماكن العامة ماداموا قادرين على إرشاء رجال الدولة عند أي خرق للقانون وكأنهم ينتقمون من القوانين الصارمة في بلاد المهجر . فالسلوك الهستيري طيلة أيام العطلة الذي يميز ممارساتهم اليومية يجعلك تعتقد أن المعنيين قد خرجوا على التو من سجن قمع فيه كل وجودهم ورغباتهم الإنسانية حتى البسيطة منها وأصبحوا أحرار في غابة يسود فيها قانون دهن السير إسير . وككل سجين يحس بالغبن ولامبالاة الآخرين فإن الزماكري يحاول لفت الإنتباه إليه عبر تصرفات مثيرة للشفقة كالسياقة بسرعة مفرطة في طرقات محدودة السرعة وإطلاق العنان للموسيقى الصاخبة حتى وسط الليل في أحياء مأهولة من داخل سيارات غالية لاتتناسب ووضعهم الإجتماعي في بلدان الإقامة . إنها سلوكات لاتساهم في الوعي المطلوب لدى مغاربة الداخل بل بالعكس تساهم في خلق مخيال جماعي خادع ومزيف عن المهجر وقيمه الإنسانية يذهب ضحيته الجميع مغاربة الداخل والخارج وبالتالي مصير المغرب . لنفترض أن نصف المهجرين المغاربة حصل لديهم وعي نسبي بدورهم في تثوير المجتمع المغربي ومقتنعة بتلازم المساهمة المادية بالعملة الصعبة والمساهمة الفكرية من خلال نشر القيم التنويرية وممارستها في المغرب ولو لفترة شهر, كم من الأشياء ستتغير وكم من البنيات المتخلفة ستندثر . فمثلا مادا لو قرر نصف المهجرين وقف إرسال أموالهم للمغرب لمدة شهر احتجاجا على الحرب التي تشنها الدولة على الصحافة أو للمطالبة بإشراك الجالية المجلية في شؤون بلدها بآليات ديمقراطية و بعيدا عن عقلية الوصاية و التعيينات الملكية? بالتأكيد سيكون القرار زلزالا ستصل هزاته كل القطاعات الإقتصادية وأولها الأبناك التي تعتبر عصب الإقتصاد الرأسمالي وأتباعه الكولونيالية . وسيضطر النظام المسيطر إلى مراجعة حساباته والتنازل عن مزيد من القرارات والقوانين التي تعتبر كل مغربي ومغربية في الخارج والداخل مجرد رعايا وعبيد لخدمة السلطان وحاشية السلطان . فهل نحن منتهون ... Nassermoha@gmailcom