وصل به الأمر إلى تشبيه حالة البربر " باليهود الجدد في الجزائر " وبعدما كانت المطالبة " بالحكم الذاتي " في عام 2001 تطورات اليوم إلى تشكيل " حكومة المنفى " من باريس . صاحب الدعوة احد زعماء البربر وهو المطرب فرحات مهني ، الذي ينظر إليه على أنه " صعلوك " يمارس ألعابا خطرة ، في حين ينظر إليه البربر أنصاره على انه يجسد حلم " الاستقلال " الذي كثيرا ما راودهم ! . بالأمس ، ترددت أنباء صحفية تشير إلى المغرب بأنه هو من يحرك البربر في الجزائر وهي أنباء الغرض منها افتعال أزمة بين الدولتين الجارتين على حساب البربر أو باستغلال أوضاعهم المتردية. زعيم حركة المطالبة بالحكم الذاتي فرحات مهني ذهب إلى اسبانيا كعضو في لجنة مراقبة الاستفتاء ، الذي جرى هناك حول استقلال إقليم كاتالونيا وهو ما يحاكي رغباته وطموحاته التي يسعى إلى ترجمتها على ارض الواقع . إعلان حكومة منفى من فرنسا بعد تسع سنوات من إعلان المطالبة بالحكم الذاتي يعني أن مشروع البربر بات في مرحلة الخطر، ما لم يتم تدارك هذا الانفجار الذي يكبر يوما بعد يوم منذ أحداث ربيع 1980 المشهورة. مشكلة البربر مثل معظم مشاكل الأقليات في العالم العربي كالأقباط في مصر، والأكراد في العراق، تختلط فيها الحقائق بالإشاعات لتشكل معضلة حقيقية تؤرق النظام والسلطة، ويصبح التعامل معهم كأقلية مشكوك في ولائها على الدوام، تتعرض للتهميش والتمييز والإقصاء . المجاهرة بحكومة منفى جوبهت من قبل زعيم جبهة القوى الاشتراكية، وهو بالمناسبة أحد أهم الزعماء التاريخيين للبربر، حسين آيت احمد، بالرفض ونعته بأنه مفلس سياسيا وفاشل في صياغة مشروع يحتضنه المواطنون، وهذه سابقة خطيرة لم يجرؤ أن أقدم عليها أحد من قبل ! . من يمثل البربر في الجزائر.. وماذا يشكلون من أرقام وأحجام ؟ تاريخيا، هم السكان الأصليون ليس في الجزائر، بل في عموم بلاد المغرب العربي، من ليبيا إلى تونس والمغرب وموريتانيا وينظرون إلى العرب " كوافدين جدد " ولسان حالهم يقول " نحن بربر عرّبنا الإسلام ، لكننا لسنا عربا " . والبربر مثل الشاوية والطوارق ينتسبون للأمازيغ ، وتعني الرجل الحر، يتوزعون على أربع مجموعات، أكثرها رفضا واحتقارا للعروبة هم " مجموعة القبائل " حوالي 3 ملايين نسمة ، ووفق دراسة أعدها مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية تحت عنوان " البربر.. البحث عن الهوية الثقافية أولا " فإن بربر المغرب ليست لديهم مطالب سياسية بخلاف ما هم عليه في الجزائر، حيث تتخذ مطالبهم منحى "انفصاليا" ومعارضة سياسية شرسة.. وتتنوع دعواتهم من الشأن الثقافي إلى الشأن الاقتصادي إلى الهوية السياسية. هناك مبالغات في عدد البربر منهم من يقول إنهم لا يزيدون على أربعة أو خمسة ملايين نسمة ، ومنهم من يرفع الرقم إلى تسعة وعشرة ملايين ، وهي إشكالية غالبا ما تترافق مع العدد الأكبر للسكان والمنتمين لأصول وقبائل عربية وفدت إلى الجزائر وإدارات الحكم من منطلق الأكثرية العددية ! . تاريخيا يمثل الحزبان الرئيسيان الوجه البارز للبربر، وهما جبهة القوى الاشتراكية بزعامة حسين آيت احمد والتجمع من اجل الثقافة والديمقراطية الذي يرأسه سعيد سعدي، وحسين آيت احمد واحد من الزعماء الوطنيين ومن المعارضين للنظام، يعيش في سويسرا يماثله بالأقدمية غريمه سعيد سعدي. وهذان تجاوزهما الزمن والأحداث ، ولم يعد لديهما قواعد شعبية ذات وزن وبقيا في صورة " الرمز" ، ولم تجد الأجيال الشابة فيهما ما يعبر عن مشاكلهم ومطالبهم وطموحاتهم . القوى الجديدة التي تقود الشارع البربري ليس فيها أي من تلك الوجوه القديمة، بل يعتبر " تنظيم تنسيقية العروش " كأهم قوى منظمة على الساحة البربرية، قادت المفاوضات مع الحكومة في غياب رموز قيادات الحركة الحزبية التاريخية، سعدي وحسين آيت احمد . وهنا ظهر شاب يدعى بلعيد عبريكة متحدثا باسم " تنسيقية العروش " واستطاع قيادة التظاهرات التي أعقبت مقتل الطالب ماسينيا قرجاح داخل ثكنة الدرك العسكرية في تيزي وزو ، ومنذ هذا الوقت سيطر تجمع زعماء القبائل بقيادة شباب جدد متعصبين على قيادة البربر، وقدموا للسطلة حزمة مطالب عرفت بالمطالب 15 من أهمها : الاهتمام اقتصاديا بالمناطق الفقيرة، إعفاء التجار من الضرائب ، اعتماد اللغة الأمازيغية لغة رسمية ومعاملتها كاللغة العربية والاعتراف بها في الدستور، الإفراج عن المعتقلين وإعادة المفصولين من أعمالهم والاعتراف بهويتهم الثقافية . حركة المطالب دخلت في البازار السياسي ، لاسيما في مواسم الانتخابات الرئاسية والبلدية والنيابية ، وكلما اقترب موعد استحقاق انتخابي تتنازل السلطة وتلبي بعض المطالب. ومن ابرز المحاولات تلك التي قادها احمد اويحيى الوزير الأول ، وهو من أصول بربرية ، إنما لم يتم إغلاق الملف وبقي في حالة شد وجذب خصوصا لجهة مطلبين أساسيين وهما الاعتراف بدستورية اللغة الامازيغية وليس كلغة وطنية فقط، وإيلاء المحافظتين تيزي وزو وبجاية اللتين تشكلان مركز التجمع الأكبر للبربر من ضمن 48 محافظة إجمالي محافظات الجمهورية الجزائرية.. المكانة المطلوبة في خريطة مشاريع الإنماء والخدمات. فهاتان المحافظتان بقيتا على مر السنوات والعهود من المناطق المحرومة من الخدمات التي تقدمها الدولة للمناطق الأخرى . الحقيقة إن اندماج البربر في مؤسسات وأجهزة الدولة يسير بخط معاكس لما يعانونه في المجالات الثقافية والاقتصادية والهوية، فمعظم العمال والموظفين الذين يشتغلون في شركة سوناطراك النفطية هم من البربر، وهم ممثلون في مؤسسات إستراتيجية وحساسة كمؤسسة الجيش، فرئيس هيئة الأركان محمد الصحاري، وقائد إدارة المخابرات محمد مدين، ومستشار وزير الدفاع محمد تواتي من البربر، إضافة إلى الوزير الأول أحمد أويحيى . لكن قضية البرير وضعت في إطار " أقلية عرقية " مما جعلها عرضة للتجاذبات السياسية في إطار الصراع على السلطة، نتج عنه أخطاء حكومية متراكمة، قادت الملف إلى إن يتحول لورقة ضغط وابتزاز سياسي من قبل فرنسا التي تمسك بالبربر من أيام الاستعمار، ولغاية اليوم . أخطاء وتقصير من قبل الحكومات أنتج جيلا من المتمردين والعصاة ، ينشدون الهوية الثقافية والسياسية نتيجة معاناة اقتصادية وتهميش، مع أن هناك مناطق في جنوبالجزائر تشكو من الحرمان والبطالة والتهميش أضعاف ما يعانيه البربر، لكن المسألة لم يتم إلباسها بلباس العرقيات والأقليات.. عنصر آخر يساهم في إخراجهم من الدائرة الوطنية إلى الخارج، وهو أن أكبر نسبة من المهاجرين الجزائريين الذين يعيشون في فرنسا من البربر، يشكلون كتلة انتخابية كبيرة تدفع بالرؤساء الفرنسيين إلى التقرب منهم، وتبني بعض مطالبهم، طمعا بأصواتهم مما يعزز النزعة الانفصالية عند هؤلاء، والاستقواء بفرنسا كدولة فاعلة في الشأن الجزائري . الجديد في هذا الشأن أن القيادة الجديدة هي من الشباب والمغنيين والمنفيين، إضافة إلى زعماء القبائل ، تعمل وفق قاعدة أن تلبية المطالب لن تتحقق إلا بالمواجهات والتظاهرات والضغط الخارجي على النظام، والعمل على " تدويل " الصراع لخلق واقع جديد أشبه بما حصل عليه الأكراد في العراق، وما قد يحصل عليه شعب كتالونيا في اسبانيا، فهل ستنجح المحاولات، أم أن ربيع البربر سيبقى كالجرح النازف، لا أحد يداويه غير صاحبه؟! . فرحات مهني، رجل سياسي قبائلي، ولد عام 1951 مؤسس حركة الاستقلال الذاتي في منطقة القبائل، درس بالمدرسة القرآنية، أعلن الحكم الذاتي في منطقة القبائل عام 2001، اغتيل ابنه في باريس عام 2004، وقف بالجمعية الوطنية الفرنسية ليخاطب النواب واصفا القبائل " باليهود الجدد في الجزائر " ! أعلن تضامنه مع الأكراد ودعمه للأميركان في العراق، أصدر كتابا عام 2004 بعنوان " المسألة القبائلية " ، اشتهر بكونه مطربا قبل أن يكون سياسيا . أصدر الكاتب إبراهيم الكوني رواية " من أنت أيها الملاك " تعرض لتجربة واقعية عن معاناة الأمازيغ الليبيين (الطوارق) والذين ينتسب إليهم ، يقدم في هذه الرواية نماذج حية للتهميش والتمييز والعنصرية، ويحكي قصة السجل المدني في المدينة التي ولد فيها عندما جاء احدهم ليستخرج شهادة ميلاد لابنه الذي أسماه يورجرتن ، ورفض بحجة انه لم يرد في لائحة الأسماء العربية التي حددتها السلطات ولا يسمح بالخروج عنها! زعماء البربر الجدد 1 - بلعيد عبريكه الناطق باسم تنسيقية العروش ومجسّد حلم البربر وكاتب " وثيقة أرضية القصر" . 2 - رمضان شريف، احد المنشقين عن حزب التجمع من اجل الثقافة والديموقراطية ، والمنادي بالاقتداء بتجربة اسبانيا بالحكم الذاتي للمجموعات العرقية . 3 - فرحات مهني، مطرب وسياسي وصاحب دعوة إعلان حكومة المنفى. 4 - معطوب الوناس، تم اغتياله عام 1998 غنى نشيدا وطنيا خاصا بالقبائل.