كان يامكان في سالف العصر والزمان، في شارع الحمام حيث تهان كرامة الإنسان ولا تصان، كان رجال أمن وشبان، وكانو يتواجهون في كل أسبوع ثلاثة أيام، يطرح فيها الشبان ما جادت به القدرة من مقاومة وبسالة في النضال، ويعرض فيها رجال الأمن من أشكال الضرب والقمع وكسر للعظام، ما لا يحتمل دون أن يدان. وفي يوم من الأيام إهتدى صناع القرار إلى وضع لجنة للحوار، عساها تأتي بالحل الذي يوصل إلى السلام وبر الامان، فعرض الشبان مطلبهم مدعوما بالدليل والبرهان، ودون تحفظ على ما تعرضو له من القمع فيما سلف من الأيام، في سبيل التوظيف المباشر دون رشوة أو إمتحان، فقدمت لهم لجنة الحوار من الآمال والوعود ما لا يحصى من معسول الكلام، مؤكدة على ضروة الالتزام بالصبر مادام الحل لن يطول أكثر من بضعة أيام، فإستبشر الشبان خيرا فيما تحمله الأيام رغم غياب الضمان، وإنتظرو اللحظة ليجلسو في شارع الحمام ليس للنضال وإنما للإستجمام . لكن وما أدراك ما تحمله كلمة "لكن" من هموم وأحزان، فقد إنطفأت شموع الأمل حينما طالت شهور العطالة والأعوام،وبدأ الشيب يعلو النواصي والتعب يقعد الاقدام، أما مصاريف التنقل فحدث بلا حرج ولا احتشام، فقد دفعت العائلات إلى إستخراج ما كانت تدخره لدوائر الزمان، وإتضح التماطل في تحقيق الوعود وخابت الآمال، ليعود الشبان مرة أخرى إلى شارع الحمام، وليجدو رجال الأمن لا زالو في المكان، والهراوات في الأيدي والخوذات مربوطة في الحزام، مع عبرة في الأدهان: أن المفاوضات مع اللجان لا يعني إيقاف النضال، إلا بعد الإعلان الرسمي عن التعيين في الجرائد والإعلام. وليستمر ما كان في قديم الزمان إلى الآن، حيث الفريقان لا زالا يتواجهان في نفس الميدان، مع فارق في الحجم الذي فاق الألفان، وزيادة في الالوان التي باتت تظهر كالطيف في العنان.