لو كنت ملكا , لوضعت رقما أخضر يصعب إصطياده من طرف حاشيتي , كي أتمكن من التوصل بآلام البسطاء . حينها سيخاف المسؤولون من غضبي أكثر مما يخافون من ظهور صورهم الفاضحة على اليوتوب . وذلك حتى أقطع كل الخيوط التي سيظن البعض أنها تربطني بهؤلاء . لو كنت ملكا , لاشتريت بعض السيارت القديمة بأحجام مختلفة , وأرسلت فيها بعضا من الناس كي يطوفوا بشوارع بلدي , حينها سيعرف رجال الأمن الواقفون في الطرقات أن ظلي يراقبهم . طبعا , سأغير هؤلاء الناس الذين سأرسلهم بشكل دائم ,حتى لا يقترن إسمهم باسمي ,وسأحرص على أن أغير السيارات شهريا أيضا , فتجربتي من قراءة روايات الملوك منحتني جرعات الحذر الزائد من رفاقي . لو كنت ملكا , لخفضت أجور أولئك الذين يبتلعون في كروشهم الضخمة أكثر من 10 ملايين سنتيم كل شهر من خزينة شعبي , ومنحتها للمستشفيات والتعليم ... وللناس الذين لا يجدون لقمة العيش ويهتفون بحياتي دائما . لو كنت ملكا , لمنحت معنى آخر للسياسة . لما انتظرت فضائح المرشحين على الجرائد , وتقارير أجهزة كثيرة لا فائدة منها . لما انتظرت حتى تأخذ الشكاوى متاهات في محاكم تحتاج بدورها إلى محاكم . بل سأرسل بعض معارفي إلى بعض المناطق التي سأختارها عشوائيا , وكل من تورط في ذلك " وأكيد أنني سأجدهم " , سأحاكمهم بتهمة خيانة الوطن , ولن يقتصر الحكم على إلغاء الإنتخاب , بل سأجز بهم في السجن لعقود طويلة حتى ترتعش فرائص كل السياسيين الفاسدين في بلدي . وسيفكر كل من سولت له نفسه أن يخلط المال بالسياسة أن يضرب أخماسا في أسداس قبل أن يتجرأ على ذلك . لو كنت ملكا , لنظرت في أحكام القضاة ضد المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وحريات التعبير , لنظرت في التعذيب الجسدي في المخافر , لنظرت في الإختطافات من طرف البوليس لقرأت الأوامر الرسمية السرية التي تأتي من الأعلى ... ولقلت لهم بملامح وجه صارمة : أنا أريد أن نعيش جميعنا في وطن وليس في سجن كبير . لو كنت ملكا , لعرفت أن صباغة الجدران وزراعة الورود في طريقي وإخفاء رائحة الواد الحار وجثث السمك المتعفنة وقطع البلاستيك السوداء , لعرفت أن ذلك كله فقط مسرحية , طبعا , ما من ملك في العالم لا يعرف ذلك . لكنني سأطلب منهم أن يتركوا الأمور على حالها عندما سأرسل معاوني ليتفقد الأمور قبل زيارتي , ليعرفوا جيدا أنني لا أمازحهم . لو كنت ملكا , لما وضعت وزيرين من نفس العائلة , لما تركت البرلمان فارغا دائما من نوابه , لأمرت جنرالاتي أن يتركوا الحياة المدنية وشأنها , لنصحت أصدقائي أن لا يؤسسوا أحزابا إن أرادوا فعلا أن يظلوا أصدقائي ... لو كنت ملكا , لقرأت في كل شهر على المسؤولين ورقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان , حتى يحفظونها عن ظهر قلب . ولربما قرأت عليهم بيني وبينهم بين الحين والآخر , ما ينتظر كل من يمانع في تطبيق ذلك ... لو كنت ملكا , سأفعل أشياء كثيرة تدور في بالي الآن . لكن , من يدري ؟ ربما لو كنت ملكا , لقررت أن أترك السياسة في أول فرصة .