في حواره الأخير ببرنامج حوار، بدا الأستاذ أحمد حرزني وهو يرد على أسئلة محاوريه ،مختلفا إلى حد ما في مزاجه وفي طريقة مناقشته للقضايا التي طرحت عليه،على استضافته السابقة بنفس البلاطو...فالرجل بدا متحررا بعض الشيء في الإجابة على بعض الأسئلة، سواء تعلق الأمر بمهام المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، المخول له حق متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي صادق عليها الملك، ولا سيما في مجالي جبر الضرر الفردي والجماعي لضحايا سنوات الرصاص أفرادا ومناطق. لكن ذلك لا يعفينا من إبداء عدة ملاحظات بشأن مجموعة أشياء قالها الرجل وبشكل وثوقي لإعطاء صورة بأن المجلس لم يكن مقصرا في أداء مهامه،وأن أغلب التوصيات تم الاشتغال عليها. أولا: بخصوص جبر الضرر الفردي، صحيح أن المجلس قام بصرف التعويضات لمستحقيها، لكن هذا لا يعفينا من القول أنه إلى حدود الآن لا زال العديد من ضحايا الماضي، يأملون من المجلس البث في طلباتهم التي إما تم حفظها، أو تم تصنيفها خارج إطار الملفات المعنية بالبث والتحري. ثانيا: موضوع الإدماج الاجتماعي لازال مطروحا والاحتجاجات بشأن تسوية الوضعية الإدارية والمالية للمعتقلين الذين صدرت مقررات التحكيم لصالحهم، لا زالت أيضا مستمرة رغم أن المجلس حاول مؤخرا إيجاد حل لها...فإلى حدود الآن يمكن القول بأن المجلس الاستشاري راسل بالفعل عدة قطاعات وزارية لتسوية الوضعية الإدارية والمالية لكل هؤلاء، لكن المشكل المطروح يكمن في كون تلك القطاعات لا تتوفر على أي سند يمكنها من تسوية المشكل في العلاقة مع وزارة المالية....فمراسلات المجلس تحيل فقط على الخطاب الملكي وعلى الاتفاق المبرم مع الحكومة سنة 2008، وهذا بطبيعة الحال لا يفي بالغرض على مستوى الأجرأة. ثالثا: إذا كنا نتفق مع الأستاذ حرزني على أن المحاسبة والمسائلة لا تندرج في إطار العدالة الانتقالية، بل تدخل في اختصاص العدالة النظامية، فأعتقد بأن توصيات الهيئة تحدثت على عدم الإفلات من العقاب، وكون المجلس له الأحقية القانونية في متابعة تنفيذ تلك التوصيات، تكون مسؤوليته في الإفلات من العقاب ثابتة. رابعا: حديث الأستاذ حرزني على الاتفاقيات المبرمة مع مجموعة من القطاعات الوزارية لتفعيل توصيات الهيئة في مجال جبر الضرر الجماعي للأقاليم الإحدى عشر المتضررة من ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، يدفعنا إلى التساؤل عن حصيلة تلك الاتفاقيات بعد التوقيع عليها، سيما وأن هناك لجان مشتركة تشرف على متابعة التنفيذ وتعقد اجتماعاتها مرتين في السنة أو كلما اقتضت الضرورة ذلك كما يدفعنا ذلك إلى التساؤل أيضا عن عدد القطاعات التي انخرطت في مشروع جبر الضرر الجماعي إلى حدود الآن؟حتى نتبين هل هناك بالفعل توجه حكومي متكامل للانخراط في إنجاح هذا الورش الحقوقي الكبير؟ خامسا: عندما يتحدث الأستاذ حرزني عن الإصلاح المؤسساتي والقانوني، والذي يدخل في صلب اختصاص المجلس،نستشف بأن هناك مبادرات جاءت من خارج المجلس وتطاولت على اختصاصه مثل مبادرة الإعلام والمجتمع التي اكتفى فيها المجلس بالإدلاء فقط بشهادته بالموضوع، تم النقاشات المطروحة اليوم حول الحكامة الأمنية كأحد التوصيات الرئيسية التي وردت في تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة خارج نطاق المجلس. سادسا: اليوم الأستاذ حرزني يقر بأن مجموعة من الملفات لا زالت عالقة، دون أن يأتي لا على ذكر الأسباب ولا الصعوبات التي اعترضت عمل المجلس في هذا الصدد؟ بعد طرح هذه الملاحظات، يمكن القول، بأن اليوم بالفعل ليس هو الأمس، وأن تجربة العدالة الانتقالية حركت المغرب وجعلته إلى حد ما جريئا في الكشف على تفاصيل ماضيه الأليم...لكن ذلك لا يعفي المرء من القول بأن بوادر إعادة الحال إلى ما كان عليه، بدأت تطفو على السطح وصفحة الماضي لا زالت لم تطوي بعد بالكامل.... فمن أجل هذا الوطن يبدو أن الدولة المغربية التي قطعت أشواطا كبرى خلال العشرية الأخيرة، مطالبة بإقرار حكامة أمنية حقيقية، وتوسيع هامش الحريات العامة، والتسريع بورش إصلاح القضاء، وإجراء تعديلات دستورية كفيلة بتأهيل الجهة سياسيا واقتصاديا لخلق تنمية حقيقية،وكذا إقرار قانون للصحافة مبني على قيم المواطنة الحرة، دون أن ننسى التسريع بمواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها والتوقيع على الاتفاقية المحدثة للمحكمة الجنائية الدولية حتى نستطيع الانخراط بشكل جدي في الجهد الدولي الرامي احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا. كاتب صحفي وباحث في القانون العام