تفاصيل القصة الكاملة لقرار طردي من السفارة المغربية ببيروت بعد مضي ثلاثة سنوات على دعوى الإلغاء والتعويض عن الضرر المادي، الناتج عن قرار الطرد التعسفي، الذي صدر في حقي من قبل وزارة الخارجية المغربية، بناء على طلب سفير المغرب ببيروت، دون تمكيني من الضمانات القانونية، المخولة لي بموجب العقد الرابط بيني وبين الخارجية المغربية للسنة الثانية، بعد أن تم تجديد العقد الأول بطلب من السفير . وبعد إطلاعي كذلك، على حكم المحكمة الإدارية بالرباط الذي لم أبلغ به إلى حدود كتابة هذه السطور، وكذا على فحوى المذكرة الجوابية للمفوض الملكي للدفاع عن الحق والقانون، والتي بنيت على التقارير الواردة من سفارة المغرب ببيروت، التي عملت كل ما بوسعها لتبرير قرارها التعسفي، وإظهاري بمظهر الإنسان الغير منضبط واللامسؤول، والمتطاول على السفير والعنيف في تعاملاته مع زملائه. لكل ذلك، وبعد تفكير عميق في الموضوع، قررت أن أكتب يوميات عون محلي بسفارة المغرب بلبنان، لأروي تفاصيل قرار طردي التعسفي من قبل الخارجية المغربية،كجزء من تجربة مهنية استثنائية بكل المقاييس، خيمت عليها أجواء الحرب/ السلم/ الفرح/ الحزن/... وذلك لاعتبارين اثنين: صونا للكرامة وردا للاعتبار بسبب التهم والادعاءات الغير صحيحة التي وردت في تقارير السفير، تحث ضغط الجمعيات الحقوقية ووسائل الإعلام التي تعرضت لقرار فصلي من السفارة من جهة، ولإبراز معانات أسرة مغربية بالغربة مع قرار انفعالي لسفير، انتصر لقناعته و صادر رأي الآخرين بعد أن قال رأيه، من جهة ثانية. للقصة بداية صبيحة يوم الجمعة 02 مارس 2007، وبينما كنت منهمك في إعداد الجدول الخاص بطلبات التأشيرة، الذي يقدم عادة للسفير لإجراء المتعين بشأنه، هاتفني المكلف بأمن السفارة مخاطبا إياي بالقول: واحد السيد بغا يسحب الباسبور ديالوا ؟ أجبته بالقول: راك عارف أن اليوم غير مخصص لاستلام التأشيرات؟ أقفل الهاتف بطريقة غير لبقة؟ بعدها فوجئت بالرجل يقتحم علينا مقر المصلحة القنصلية من دون أن يخبرنا بذلك المكلف بالأمن. تعاملت مع المرتفق بطريقة مؤدبة، وشرحت له أن الأيام المخصصة لتسليم التأشيرات هما يومي الخميس والاثنين كما هو مثبت في إعلانات السفارة، لذلك يتعذر علي مده بالجواز. بعدها اتصلت بالحارس الأمني، الذي ألحق بالسفارة مباشرة بعد وقف إطلاق النار بلبنان، فنبهته من أنه بهذه الطريقة يكون قد تطاول على المصلحة القنصلية وتجاوز حدود المهام الموكولة إليه. لكن مالم يكن في الحسبان، وهذا ما علمت به فيما بعد، أن اقتحام الحارس الأمني للمصلحة القنصلية وتهديده بضربي، وتدخل الملحق الإعلامي بطريقة عشوائية قبل معرفته بخلفية الموضوع، وقيامه برميي بمطفئة الدخان على وجهي وإتلاف محتويات مكتبي بحضور مجموعة من موظفي الطابق الأول للسفارة، لم تكن إلا مسرحية محبوكة، تم الترتيب له سلفا، للرد بصورة غير مباشرة، على مجموعة قضايا ومواقف، يعلمها القاصي والداني من الموظفين والجالية، أهمها الطريقة التي تم بها تدبير التعليمات الملكية من قبل أركان السفارة،بشأن ترحيل الجالية المغربية والإفريقية المقيمة بلبنان إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان. عندما يصير الحكم خصما وتغتال الحقيقة في تمام الساعة الثانية ونصف زوالا من نفس اليوم، وبينما كنت جالسا رفقة بعض الموظفين بأحد مكاتب السفارة في الطابق الأول، نتداول في قضايا الشأن السياسي بلبنان بحضور أحد الصحفيين المغاربة، في انتظار عودة السفير لتحكيمه في ما حصل، نادى علي الموظف بمكتب الضبط وطلب مني رؤية السفير بمكتبه( الموظف). خرجت من المكتب الذي كنت جالسا فيه، وتوجهت إلى مكتب الضبط للقاء السفير، وكانت حينها علامات الاعتداء الذي طالني بادية للعيان، لكن، بمجرد أن وجهت التحية له، رد عليها بالقول* شنو هاد الفوظة لداير في السفارة* استسمجته بطريقة لبقة وخاطبته بالقول: سعادة السفير، أنا لست فوضويا، وأرفض وصفي بهذا الوصف، لأنه لا يليق بي ( هذا الذي سموه تطاولا)، وقبل أن تصدر حكم قيمة علي، كان حريا بك يا سعادة السفير، أن تكون على مسافة واحدة بيني وبين الطرف المعتدي، وليس الاكتفاء برواية طرف واحد، لأنك أنت الحكم، والشهود موجودين، والحارس الأمني بات يتدخل في عمل القنصلية خارج المهام الموكولة إليه. رد علي السفير بكلمة واحدة * غادي تشوف، ايوا سير لمكتب ديالك دير خدمتك ذابا*. وصلت الساعة الثالثة ونصف من نفس اليوم، انتهى وقت العمل، وغادرت مقر البعثة صوب منزلي المتواضع تواضع الأجر المخصص للأعوان المحليين بسفارات المملكة بالخارج، وجدت زوجتي منهمكة في إعداد المائدة لي، نظرت إلي وهي مبتسمة، لكنني لم أستطع إخفاء قلقي من المؤامرة التي حيكت ضدي في غياب السفير وربما بأمر منه، للتخلص من عون ربما لا يشبه باقي الأعوان ...أحست زوجتي أن شيئا ما في العمل قد حصل، فسألتني: ياك لباس؟ صمتت هنيهة فقلت: حان وقت الرحيل والعودة إلى الوطن، انتهت الحرب ببلاد الأرز ووضعت أوزارها، وعاد السفير إلى مقر إقامته من جديد، وفتح سجل يوميات الحرب بسفارة المملكة ببئر الحسن القريب من الضاحية الجنوبية لبيروت، وقدم كتبة التقارير لولي نعمتهم، صفحات من الحقد والزور والكذب والبهتان، بشأن كل ما كان يقال ضد التي دبر بها السفير التعليمات الملكية بشأن ترحيل الجالية إبان حرب تموز 2006، فاستثنوا أنفسهم من ذلك، ورمو بنا في غياهب الجب كما رمي بيوسف من قبل إخوته. تحسرت الزوجة بعض الشيء، فعادت لتقول: حسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله على كل حال. أكلت ما تيسر، واسترخيت قليلا، بعدها قلت لزوجتي: دعينا من هدا الموضوع، وهيا بنا لنستمتع بكورنيش الروشة وشوارع الفردان والحمراء ووسط الضونطاون...ربما تكون هذه آخر ذكرياتنا ببلد الأرز والمقاومة وكأن قلبي يشعرني بذلك. اسكال صغير السبت 03 مارس 2007، كانت رحلة ممتعة رفقة أحد موظفي السفارة وأسرته إلى الجنوب اللبناني الشامخ بشموخ شهدائه، حيث رياح المقاومة تهب من بوابة فاطنة الحدودية مع فلسطينالمحتلة. طرد ومنع ومعانات وجالية الأحد 04 مارس 2007، مكالمة هاتفية على تمام الساعة العاشرة صباحا....ألو من معي...معاك (م س) فين راك؟...غير في البيت ياك لباس أش حب الخاطر أسي ل؟...أنا جاي لعندك تسناني حدى ثكنة فخر الدين بالرملة البيضاء مكان سكناك.... نزلت بعد أن استشعرت، من خلال كلام م س، أن شيئا ما وقع ...ركبت سيارة هذا الأخير فكانت وجهتنا أحد مقاهي الروشة...جلسنا وطلبنا المشروب، ولم يستطع الرجل أن يخرج من فمه ولا عبارة...ابتسمت كعادتي وسألته ما الأمر؟ هل جاءكم قرار فصلي عن العمل؟ استغرب الرجل وفوجئ بكلامي وخاطبني من قال لك ذلك؟ طبطبت على كتفيه، وعانقته وقبلته كعادتي معه كل صباح بالسفارة، وقلت له: سي ل، لرجعت غدي نرجع لبلادي، أو الحمد لله دازت الحرب أو نجينا منها، أو مشينا المغرب أو تزوجنا أو جبنا مراتنا شفات هاد البلاد، أو درنا الديزا ديالنا تحتنا ...الرزاق الله. أما الخارجية أو معاها السفير، بيني أو بينهم القضاء أو ضمير كل واحد أو التاريخ ...قولي شنو ؟ سي خالد فصلوك من العمل أو كنتمنا ميقلقكش هاد الأمر؟ نتا وجهك مشي ديال عون محلي...اليوم منين خديتي ديزا ديالك الأبواب ديال العمل في المغرب نشاء الله غدا تكون مفتوحة...أنا كلفوني باش نبلغك نسخة من القرار...قاطعته نتا محاسب أشمن علاقة عندك بالتبليغ؟ أو زيدون اليوم الأحد مكاينة خدمة. عقب علي قائلا: سي خالد البيرو ديالك غيرو ليه القفل أو المحتويات لتتخصك غدي يجيبها ليك السفياني وهو أحد الموظفين معنا بالسفارة...من الأحسن لا تذهب يوم الاثنين للسفارة تجنبا للمشاكل، لأنك موقوف من العمل ابتداء من يوم الجمعة، مع العلم أنني اشتعلت هدا اليوم كاملا. قبلت الأمر، واستلمت قرار فصلي عن العمل ووقف العقد الرابط بيني وبين الخارجية لمدة سنة ثانية بعد أن كنت قد قضيت السنة الأولى، التي أسميها السنة الحربية، تيمنا بحرب تمموز2006. طلبت من الوسيط أن يطلب من السفير تمكيني وزوجتي من تذكرة الطائرة، وبطائق الإقامة الخاصة بي وبزوجتي، التين كانتا موضوع طلب مقدم من قبل السفارة لتجديد الأولى الخاصة بي بعد انتهاء مدة صلاحيتها التي كانت محددة في سنة، والحصول على الثانية بحكم أن زوجتي حديثة الدخول إلى البلد. طلب مني الوسيط منحه 24 عشرين ساعة للرد...وصل الأجل وجاءني الوسيط بسلة مطالبه وردوده على مطالبي...سألته ما الجديد في الموضوع؟ قال لي بالحرف، السفير يطلب منك إرجاع جواز السفر الخاص الذي سلمته لك وزارة الخارجية مقابل تمكينك من رخصة العبور إلى المغرب، ويقول لك أنت مفصول عن العمل وليس لك الحق في أوراق الإقامة بالبلد، ومصاريف الرحلة على حسابك. لا أخفيكم إن قلت لكم وهذا سرا لا يعلمه الوسيط، أنني ضحكت حتى تبولت بعض الشيء على ملابسي، بسبب غرابة مطالب السفير و تجاهله للقانون، وإصراره على تشريد عائلة موظف ذنبه الوحيد أنه قال له أنا لست فوضويا. كان جوابي حازما على مطالب السفير، حينما قلت للوسيط اذهب عنده، وقل له أنت من اتخذ القرار، وأنت من يجب أن يتحمل كل تبعاته، وإذا استمر التعنت من جانبه، ورفض التسوية السلمية في انتظار ما يقوله القضاء بعد اللجوء إليه بالمغرب، فإنني سأناشد جميع المنظمات الحقوقية بالمغرب بضرورة التدخل العاجل لوقف هذا العبث. أنا مواطن مغربي شريف، يرتبط بعقد عمل تم خرقه من قبل الوزارة الوصية، تحت ضغط التقارير الكاذبة للسفير،الذي استعمل جميع الأوراق المتاحة لذيه لطردي من السفارة بعد تعرضي للاعتداء ولم بتم إنصافي، وتم فصلي وقبلت بذلك، دون أن يصدر مني أي رد فعل سلبي حفاظا على سمعة المغرب وصورته، لذلك، لا أقبل منه أن ينزع مني جواز سفري وتسفيري بموجب رخصة مرور أمنية وكأنني سجين أو في وضعية غير قانونية،لأنه ليس هو الجهة التي سلمتني الجواز بعد أن سلمتها جواز سفري العادي... أنا دخلت معززا مكرما، وعلى هذا الأساس، ينبغي أن أخرج بدون ضجيج، معززا مكرما وليس دليلا كما يريد السفير ومريدوه. وصلت مطالبي إلى السفير، فكان الإصرار على ادلالي من قبله سيد الموقف. الإعلام والجمعية المغربية لحقوق الإنسان يدخلان على خط المشكل في ضل هذا الوضع، لم يعد أمامي وأنا الذي استعملت كل السبل للحفاظ على صورة المغرب ، من خيار، إلا مراسلة المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي كان السفير أحد مؤسسيها، فما كان من الإخوة في المكتب المركزي مشكورين بالمناسبة على تضامنهم، إلا، أن قاموا بتكليف الأستاذ هشام بنعمر، ابن القيادي والحقوقي البارز الأستاذ عبد الرحمان بن عمروا أطال الله قي عمره، بمراسلة وزارة الخارجية ومسائلتها عن وضعيتي وزوجتي بلبنان، مطالبين إياها بضرورة تمكيني من كل حقوقي، لتأمين عودتي رفقة الزوجة إلى المغرب. لم يتوقف الأمر عند حدود تبني قضيتي من قبل المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بل دخل الإعلام على الخط،فقامتا يوميتي المساء والصباح، بنشر مقالتين تحكي بعض من تفاصيل المؤامرة التي حيكت ضدي ببيروت، لم يصدر عن وزارة الخارجية المغربية أي رد أو تكذيب بشأن ما تضمناه من معطيات، لتتحول بذلك قضيتي من قضية كان بالإمكان حلها وديا لولا إصرار السفير على موقفه، إلى قضية رأي عام وطني. لم تمر أكتر من24 ساعة، على نشر تفاصيل قضيتي بكل من المساء والصباح، حتى بدأت المياه الراكضة تتحرك بالداخل والخارج، وبدء معها هاتفي النقال، يتلقى سيلا من مكالمات أحبائي الحقوقيين وزملائي الصحفيين، الذين لم يتوانوا ولو لحظة واحدة في الوقوف بجانبي ، دون أن أنسى بطبيعة الحال المؤازرة القوية لعائلات الجالية المغربية المقيمة بلبنان نساء ورجالا، الذين استضافوني ببيوتهم وفتحوا لي قلوبهم، بعد أن جار علي السفير وسايرته الخارجية في ذلك، دون أن تحتكم إلى بنود العقد الرابط بيني وبينها، ومن دون كذلك، أن تحترم الضمانات القانونية ولا المساطر المعمول بها في مجال التأديب في حالة الإخلال بالالتزامات والعقود. لم يكن السفير، وهو يبعث بسلسلة تقاريره ضد عون محلى إلى وزارة الخارجية، يعلم أن هذا العون، عصي على القيض وصعب المراس ولا يمكن ترويضه بيسر. كما أنه لم يضع بالحسبان وهو الذي ينظر للأعوان مثلي كالجرذان، أنني قادر على الدفاع عن عدالة قضيتي، وطرحها بتلك السرعة على أنظار الجمعيات الحقوقية ووسائل الإعلام. ماذام أنني مؤمن بأن للوطن ملكا يصون ويحمي الحريات والحقوق. إصرار وتشبث بعدالة قضية يحفظ صورة المغرب من الإساءة عندما توصلت بقرار فصلي عن العمل، والذي تعسف فيه السفير ووزارة الخارجية المغربية في استعمال الحق، كانت مصلحة الوطن، التي لم يعرها السفير ولا الوزارة الوصية أي اعتبار، عندما زجو بي في شوارع بيروت، ورفضوا تسليمي بطاقة إقامتي وإقامة زوجتي، وحاولوا بكل السبل تجريدي من جواز سفري الخاص وتسفيري بموجب رخصة أمنية، فوق كل اعتبار والله على ما أقوله شهيد. ماذا كان سيقول اللبنانيين عنا لو طلب منهم السفير في مراسلة رسمية منح موظف مطرود من السفارة رخصة مرور للمغرب بحجة أن السفارة انتزعت منه جواز سفره المسجل لدى مصالحهم الأمنية بالمطار كوثيقة دخول؟ ألن تكن سمعة المغرب الذي كنا نروج لها كلما أتيحت لنا فرصة ذلك بلبنان، أنه تصالح مع ماضيه الأليم ويرسم خارطة طريقه نحو مغرب الغد، موضع شك؟ إصراري على مطالبي القانونية والعادلة، ودخول المنظمات الحقوقية والإعلام كما أشرت لذلك سابقا، على خط المشكل، عوامل دفعت السفير إلى النزول من برجه العالي وفتح باب المفاوضات الغير مباشرة معي من جديد. جاءني الوسيط، وهو بالمناسبة من خيرة خلق الله، أخلاقا وثوابتا وقيما، وكان برفقته موظفا آخر لا يقل عنه خصالا حميدة، وكنت في ذلك اليوم برفقة زوجتي معزوما عند أحد موظفي السفارة بالقرب من محطة الضنيوي. قلت جاءني الوسيط وسلمني بحضور الموظفين ضرفا يحتوي على ألف دولار، وقال لي بالحرف: الإخوة في السفارة عملوا اكتتابا وجمعوا لك هذا المبلغ لحجز تذكرة الطائرة لك ولزوجتك، وجواز سفرك الخاص سيضل برفقتك إلى أن تصل للمغرب، وبطاقة إقامتك غير ممكن الحصول عليها ما دام أنك توقفت بالعمل، والأخ( س) وهو أحد الموظفين بالسفارة سيقوم بإجراءات تمديد إقامتك بالأمن العام على جواز سفرك. بحكم العلاقة الوطيدة التي كانت تجمعني بكل هؤلاء الموظفين، وبحكم الحب الذي كنا نكنه لبعضنا البعض،لم أشك ولو للحظة في نوايا الوسيط ولا في اقتراحاته التي طرحها علي، فوافقت في الحال على العرض وتحمست له، لأن إيماني كان قويا، بأن بلادي عزيزة حتى وان جار علي السفير ومعه الخارجية المغربية، وكنت أومن بأن القضاء الإداري باب يمكن طرقه لحفظ كرامتي وصونها. ضيافة لبنانية لمطرود بقرار مغربي تمت الأمور كما وقع الاتفاق عليها، وفاجأتني مجموعة من الأسر المغربية بأن ترتيبات حفل الوداع على شرفي تم برمجتها وحدد زمانها ومكانها، اهتز كياني بسماع الخبر، ولما عرفت أن البيت الذي سيستضيفني رفقة زوجتي وبعض العائلات المغربية، هو بيت دبلوماسي لبناني سابق بالمغرب متزوج من مغربية أمازيغية خالصة، زاد الاهتزاز في الكيان، لأن الرجل كنت دائما على خلاف معه في تحليلي للوضع السياسي بالبلد، ومع ذلك حضنني ببيته ورحب بي وعبر لي عن حبه، في الوقت الذي رمت بي فيه السفارة في غياهب المجهول. بعد هذا الحفل بيوم واحد، تجدد اللقاء بعائلات ووجوه مغربية أخرى، لم يسمح لها الوقت بمشاركتنا حفل الوداع، واجتمعنا على مائدة غداء واحدة لساعتين فقط، لأن موعد الطائرة كان الساعة الخامسة بتوقيت بيروت إن لم تخني ذاكرتي. على تمام الساعة الثالثة ونصف كانت الوجهة نحو مطار رفيق الحريري على مثن سيارة أحد موظفي السفارة مشكورا. سبع ساعات على إقلاع الطائرة من مطار رفيق الحريري، كانت كافية كي تطأ قدماي مجددا ثراب الوطن، بعد رحلة لم تدم أكتر من 3 أشهر على تجديد العقد الرابط بيني وبين الخارجية. بلادي عزيزة ولو جار على السفير المفاجئة التي كانت تنتظرني خارج المطار، والتي زادتني إصرار بأن بلادي عزيزة ولو جارت، رتبها أحد الأصدقاء الصحفيين، ولم يكن لي أي علم بها. فبمجرد وصولي إلى البهو الخارجي للمطار وجدت في استقبالي مجموعة من الأصدقاء من شتى المشارب، إعلاميين ودكاترة ومعطلين ونقابيين وحقوقيين..الخ وأدركت حينها بأن الطرد التعسفي من السفارة المغربية من لبنان، لم يكن نقطة سوداء في حياتي، بل عنوانا لمحبة الناس إلي. من المطار كانت الوجهة نحو بوزنيقة لصلة الرحم مع بولفاف، وبعدها إلى مدينة سيدي سليمان حيث البيت والأحبة. لم تمضي إلا أسابيع بمدينة سيدي سليمان، حتى توجهت إلى وزارة الخارجية المغربية، وهناك سلمت جواز سفري الخاص وتسلمت جواز سفري العادي. وبعد مضي 58 يوما من تاريخ صدور قرار فصلي على العمل، توجهت رفقة أحد الأصدقاء صوب مكتب النقيب محمد أقديم، لرفع دعوى الإلغاء والتعويض عن الضرر المادي الناتج عن قرار الطرد التعسفي. تم الاتفاق مع النقيب أقديم على الحيثيات المتعلقة بالموضوع، وقدمت المذكرة التقديمية في آجالها القانونية، وفي احترام تام للشكليات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية. قبلت الدعوى شكلا، وطالب الدفاع بإلغاء القرار الإداري المعيب، وقدم المفوض الملكي المكلف بالدفاع عن الحق والقانون، مذكرته الجوابية، التي بنيت على التقارير الواردة من السفارة المغربية من بيروت، دون أن تتوقف عند عيوب القرار ومظاهر الإساءة في استعمال الحق من قبل السفير المغربي ووزارة الخارجية.أصدرت المحكمة حكمها برفض الطلب،لم أتبلغ بنسخة منه. للقصة بقية ما دمت لم أتبلغ إلى حدود كتابة هذه السطور من قبل المحكمة الإدارية بمنطوق الحكم، ومادام أن القانون يخول لي الحق في استئناف حكم هذه الأخيرة، فإنني سأمتنع عن التعليق على قرار المحكمة، حتى لا نتهم بالتسفيه أو التقليل من أحكام القضاء الإداري الذي نكن له كل الاحترام. ملحوظة: رويت قصة فصلي من العمل بطريقة تعسفية ولا إنسانية من قبل الخارجية المغربية سنة 2007، ليس للتأثير على أحكام القضاء، أو التشهير بأشخاص بذواتهم، بل كتبتها للتاريخ، حتى إذا اطلعت ابنتي سحر، التي لا يتجاوز عمرها السنة ونصف، بعد عشرين سنة على مجلدات أحكام القضاء الإداري، وتوقفت على حيثيات الحكم القضائي الذي بني على مستنتجات المفوض الملكي عن الحق والقانون، التي بنيت بدورها على التقارير الواردة من السفارة المغربية ببيروت...ستعرف أن هناك يوميات لوالدها تضع الأمور في سياقاتها الحقيقية دون أن تتوقف على خلفياتها، تمحي قتامة تلك التقارير التي صورتنا وكأننا وحوش أدمية تربت وترعرعت بالمزابل وليس بمؤسسات الدولة التي نعتز بتخرجنا منها وبامتياز، حينما وصفتنا بالمتطاول والمهمل والعنيف في حق زملائه...لكن الحمد لله الذي لم يخطر ببالهم اتهامنا بالانتماء لفتح الإسلام أو القاعدة أو جمد الشام أو بالتشيع ونصرة المقاومة اللبنانية. والحمد لله على صدر هذا الوطن الرحب الذي احتضننا واستعادنا ومكننا من وظيفة أنستنا ويلات الأعوان المحليين، الذين سيضل التاريخ يذكرهم ويستحضرهم بضحايا الإرهاب في بلاد الرافضين المحافضي وبوعلام . عون محلي سابق بسفارة المغرب ببيروت