- باعتبارك كنت تشغل منصب دبلوماسي مغربي لدى الأرجنتين، كيف تعلق على فضيحة النصب على وزارة المالية الأرجنتينية المرتكبة من طرف بعض السفراء المعتمدين هناك، ومن بينهم السفير المغربي؟ < عندما كنت في الأرجنتين، لاحظت أن النظام المعمول به هناك كان على النحو التالي: للسفراء المعتمدين الحق في اقتناء سيارة جديدة كل سنة، دون أداء الرسوم أو الضرائب المتعلقة بها، وكذلك الحق في ما يسمى ب«الامتيازات الدبلوماسية». بمعنى أنه يمكنهم إدخال كل ستة أشهر أو سنة حاوية أو حاويات متعددة دون المرور بإدارة الجمارك الأرجنتينية. هذه الحقوق والامتيازات تباع بثمن غال جدا لمهربين ليستخدموها في جلب سيارات فخمة من مدينة إكيكي، شمال الشيلي، أو من مدينة مياميالأمريكية، دون أداء أية ضرائب عليها، كما يقومون بإدخال كل أنواع السلع داخل تلك الحاويات المحمية بالحصانة الدبلوماسية إلى الأرجنتين. هذه الحاويات يمكن أن تنقل أجهزة تلفزية أو موسيقية، بل أيضا المنتجات غير القانونية كالمخدرات. - هل كنت شاهدا على حالات مماثلة؟ < قبل 14 عاما عندما كنت الرجل الثاني في السفارة المغربية في بوينوس أيرس، وجهت إلى وزارة الخارجية تقريرا مفصلا مع وثائق وحجج بخصوص هذا التهريب. في أحد الأيام، وعندما كنت مقيما بالأعمال لدى السفارة، وعندما كان السفير خارج الأرجنتين، تلقيت زيارة من مسؤول كبير في الجمارك الأرجنتينية، أخبرني أن مصالحه ضبطت خروقات في مطار إيثيزا. وأمدني بعدة وثائق، من ضمنها توقيعان بخصوص امتياز دبلوماسي تم استعمالهما من طرف المهربين. واحدة تخص دبلوماسيا مغربيا اسمه الدغوغي، والثانية للسفير. وبعدما راجعت توقيع الدغوغي، وجدت أنه كان توقيعا مزيفا، أما توقيع السفير فكان صحيحا. وعندما تحدثت في الأمر مع السفير لدى عودته إلى الأرجنتين استشاط غضبا ومنعني من الرد على استدعاءات وزارة الشؤون الخارجية لإعطاء توضيحات بشأن هذه الفضيحة. ولتسوية المشكلة، عمد السفير إلى طرد سائقه الشخصي، الذي كان على ما يبدو وسيطا مع مشتري الامتيازات الدبلوماسية. فقررت حينها إرسال تقرير إلى وزارة الخارجية المغربية، والطيب الفاسي الفهري لا يستطيع أن ينكر ذلك اليوم، لأنه في ذلك الوقت كان اليد اليمنى لوزير الخارجية السابق عبد اللطيف الفيلالي. هذه القصة موجودة في أرشيف الوزارة، وإذا ادعت الوزارة أنها لم تجد التقرير، فإني مستعد لمنحها نسخة أخرى من أرشيف ملفاتي الخاصة تثبت ذلك. - وماذا حدث بعدما أرسلت ذلك الملف؟ < قاموا باستدعائي في الرباط، فقال لي مدير الموارد البشرية إن «السفير، هو سفير جلالة الملك، لكن من تكون أنت؟»، فأجبته بأنه حسب ما كان يحكيه الحسن الثاني في خطبه، فإني أعتبر نفسي واحدا من أبنائه. وبعد هذا النقاش تحولت حياتي في السفارة المغربية إلى جحيم. وبدأت الوزارة تتوصل من بوينوس آيرس برسائل مجهولة وكاذبة. كانت عملية مدبرة، حيث طلب السفير توقيفي، وذكر أنني قمت بطرد إحدى كاتباته، وكان ذلك صحيحا فعلا في جزء منه. تلك السفارة كانت مغارة للمهربين. ولذلك لم أقم طوال مدة عملي بالسفارة باقتناء سيارة أو بيع تلك الامتيازات الدبلوماسية. أود التعبير في النهاية عن الإحساس بالفرح الذي أشعر به الآن، بعد انفجار هذه الفضيحة، وإن كانت قد مضت 14 سنة بعد تقديم شكايتي بخصوص عمليات التهريب والنصب التي تمارس في السفارة المغربية بالأرجنتين. * صحافي، والرجل الثاني بالسفارة المغربية في بوينوس آيرس سابقا