لعب السكان الأصليون "الأمازيغ " في بلاد المغرب العربي أكبر الأدوار في الذوذ و الدفاع عن الشمال الإفريقي , و تصدى هؤلاء الأحرار لكل الحملات الإستعمارية و الإستيطانية الرومية و البيزنطية و الوندالية و الفينيقية , و لم يقبل الأمازيغ مطلقا أن تستعمر بلادهم من قبل الأجانب . و ما زالت شجاعة يوغرطة وماسينيسا و تاكفاريناس و غيرهم من الرموز محفورة في الذاكرة الجماعية لشعوب الجزائر والمغرب و ليبيا وتونس وموريتانيا . و قد حولّ هؤلاء الأمازيغ " الأحرار " بلادهم إلى قلعة تكسرّت وتحطمّت عندها كل محاولات الهيمنة و الإحتلال .. ولا يمكن للباحث في شؤون المغرب العربي – و أنا هنا أستخدم عبارة المغرب العربي جريا على ما هو متعارف عليه في القاموس السياسي والجغرافي للبلدان ولا أريد مطلقا إستئصال الخصوصية الأمازيغية لبلاد المغرب , كما أنني أقصد بالمغرب بلاد المغرب العربي مقابل المشرق العربي – أن ينكر أو ينفي الأدوار الحضارية و العملاقة التي قام بها أجدادنا الأمازيغ و الذين إستطاعوا أيضا أن يصيغوا نموذجا حضاريا بارعا في الحكم والسياسة و الإقتصاد و الثقافة و الشعر , ولعلّ واحدا من أهم مناطق الفراغ في الفكر العربي المعاصر هو مروره مرور الكرام على الموروث الأمازيغي الذي يعتبر الأغنى في حركة الموروث البشري ..و أبرز ما تميزّ به الإنسان الأمازيغي هو الشجاعة و الإقدام والتعلق بالحرية و تقديس الوطن و التغني به قولا وفعلا . و الإشكال الذي يمكن إدراجه في سياق البحث عن الموروث الأمازيغي هو موقف الأمازيغ من الإسلام , وهنا إنشطرت النخب الأمازيغية إلى فرقتين , الأغلبية من هذه النخب و هي التي ترى أن الإسلام شكلّ إضافة حقيقية للموروث الأمازيغي , و هذا ما يفسّر الدور الأمازيغي العملاق في خدمة الحضارة الإسلامية , و يجد الباحث في علم رجال الإسلام بعد الفتح الإسلامي لبلاد المغرب , أن معظم النحاة والفقهاء و الأصوليين و الرياضيين و الجغرافيين الذين خدموا الحضارة الإسلامية و طوروها هم من الأمازيغ , و الذين إستطاعوا ببسالتهم أيضا أن يوصلوا الإسلام إلى أوروبا من خلال طارق بن زياد الأمازيغي الحرّ و الذي قاد جيوش المسلمين بإتجاه إسبانيا و فرنسا ..و ترى هذه النخبة أن الإسلام لم يلغ الخصوصية الأمازيغية بل تكامل معها , و لم يعرف عن الإسلام أنه ألغى خصوصية قومية معينة , فالأتراك أسلموا وحافظوا على خصوصيتهم الإسلامية , و أسدوا للحضارة الإسلامية أكبر الخدمات , و كذلك الأمر بالنسبة للفرس و المغول و سكان الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى و الجغرافيا الناطقة بغير اللغة العربية , و هنا أود أن أشير إلى أن العروبة قسمان , فهناك العروبة اللغوية و المتعلقة بالثقافة العربية و الإنجازات الفكرية باللغة العربية و الإفتاح عليها مطلوب دون الإنسلاخ عن المنطلق الأمازيغي , وهناك العروبة الشوفينية المؤدلجة المرفوضة و التي تريد إستئصال الأخر الثقافي , وقد إستطاعت النخبة الأمازيغية المنفتحة على الإسلام و التي تشكل الأغلبية أن تؤسس لمجموعة معادلات مهمة و أساسية و منها , أن الأمازيغ يجب أن يحافظوا على خصوصيتهم الأمازيغية لكن في السياق الإسلامي , لأنّ الأمازيغ هم الذين إنفتحوا على الإسلام وناصروه , إلى درجة أن الكاهنة الأمازيغية طالبت أبناءها بالذوذ عن الإسلام , وهذا الإنفتاح والتفاعل مع الإسلام لا يعني وأد الخصوصية الأمازيغية , لأن الإسلام يدعو إلى مضمون التوحيد و مجموعة القيم الأخلاقية التي تنظمّ سير الدولة و المجتمع , و هذه الرؤية المعمقّة هي التي جعلت الأمازيغ يساهمون في الإنتاج الحضاري الإسلامي , و يواصلون مسيرة أجدادهم في الدفاع عن بلادهم في وجه الحركات الإستعمارية الغربية , و هم الذين حرروا بلاد المغرب العربي , و كانوا رواد الحركات الإصلاحية في هذه البلاد , ولأنهم كانوا منفتحين على الإسلام وفق هذه الرؤية , فقد رأت هذه النخب أن الأولى التعامل مع العالم الإسلامي , وليس مع الغرب الذي كان ولا يزال يخططّ لقضم بلاد المغرب ... و إلى هذه الرؤية تنتمي الغالبية العظمى من الأمازيغ , وللإشارة فإنّ بلاد القبائل و الأمازيغ فيها من المساجد والزوايا والمعاهد والكتاتيب مالا يوجد في المناطق غير الأمازيغية , و للأمازيغ حبّ فطري كبير للإسلام و لرسول الإسلام – ص- . أما النخبة الأمازيغية الثانية , فهي التي تجاوزت حتى الموروث الأمازيغي , و إعتنقت الثقافة الفرانكفونية – ثقافة المستعمر القديم - , و راحت ترددّ مضامين من صلب الثقافة الغربية في تعاملها مع الأخر الإسلامي , و إعتبرت هذه النخبة العلمانية الإسلام مهددا للموروث الأمازيغي – علما أن كل آيات الأحكام لا تشير إلى وجوب إستئصال ثقافات الآخرين , نعم هناك وجوب إستئصال ثقافة الشرك لأن الإسلام قائم على الوحدانية - , و تناغمت هذه النخبة مع الطرح الإستعماري الكولونيالي و كانت إمتدادا له , و هي التي تعمل على تمزيق بلاد الأمازيغ , كما يفعل الجزائري فرحات مهنا الذي يطالب بإستقلال بلاد الأمازيغ في الجزائر و هي لا شك رغبة فرنسية كبيرة , ولم تنفصل هذه النخبة الأمازيغية التي تمثل الأقلية عن الموروث الأمازيغي و الثقافة الأمازيغية التي مزجت بمفردات الخطاب الإسلامي الحضاري فقط, بل راحت تطرح مضمونا فكريا بعيدا عن النسيج الفكري و الثقافي الوطني للأمازيغ الأحرار , و بعض الكتاب القوميين عندما كتبوا ضد الأمازيغ شملوا الجميع وظلموا بذلك الأغلبية الساحقة من الأمازيغ المسلمين الذين قدموا أكبر الخدمات للحضارة الإسلامية ... وبناءا عليه , وعلى الصعيد الفكري أنا مع أغلبية الأمازيغ الأحرار الذين خدموا الحضارة الإسلامية دون التفريط في الثقافة الأمازيغية الغنية , و ضد الأقلية الأمازيغية التي تنكرّت للموروث الأمازيغي و الموروث الإسلامي , جاعلة من نفسها في خدمة الطروحات الإستعمارية .... إعلامي و مفكرّ جزائري