مما يؤسف له فيما يخص راهن اتحاد كتاب المغرب، أن جميع من أدلوا برأيهم فيه، شكلوا مع بعضهم البعض فسيفساء فيه الكثير من التناظر والتشابه، لدرجة غياب رأي مخالف مكاشف، رأي يدعو إلى التأمل والتفكير ويوقظ الأذهان من حالة التخدير والتنويم التي يتسبب فيها صراخ الجوقة والانجراف وراء الرأي العام .. فقد أجمع كل الكتاب على أن الاتحاد يعيش (أزمة) و ( مرضا) و (خلافا)، وأشفعوا تشخيصهم هذا بمتمنياتهم العاجلة (بالشفاء) و(الصلح) و(الانفراج)، وانقسمت مشاعرهم في ذلك بين (الأسف) و(الغضب) و(الحزن).. إن ما آل إليه اتحاد الكتاب هو مصير طبيعي جدا، وبالتالي فالأمر لا يتعلق بما ذكرناه آنفا، بل بتحول موضوعي منسجم مع سياقه التاريخي، فاتحاد الكتاب أسسته وأطرته سابقا قيم (النضال) و(الالتحام بالجماهير) و(الاستقلال عن السلطة السياسية) ، وهي القيم التي تآكلت وتقادمت ولم يعد السياق الحالي يستدعيها، في ظل تهاوي الايديولجيات التبشيرية والقيم الشمولية .. مما جعل فكرة (اتحاد كتاب المغرب) في حد ذاتها فكرة فيها الكثير من النشاز والعبث، لأنها فكرة تهاوت كل أساساتها التي شيدت عليها سابقا. فقد كان الفعل الثقافي يشكل في حد ذاته سلطة قائمة في مواجهة السلطة السياسية والرسمية، سلطة تقوم بمهام التخليق والتأطير والتعبئة والنقد، حتى تحول الفعل الثقافي حاليا إلى مجرد ذريعة وسبب وقنطرة لبلوغ مآرب مادية ونفعية محضة، فمن الشعور الحالم والمثالي تحولنا إلى الشعور النفعي والانتهازي، بعدما أدمجت أو بالأحرى دجنت السلطة الرسمية المثقف وأسبغت عليه من نعمها خصوصا المثقفين الذين عرفوا سابقا بمواقفهم الراديكالية والذين كانوا يتربعون على هرم السلطة الثقافية، لذلك تآكلت الأهداف والممارسات والسلوكات التي أسس عليها اتحاد الكتاب، فأصبحت هذه المؤسسة مثل البنيان المشيد في الهواء، تتقاذفه الأهواء والمصالح والنزعات الفردية والطموحات الشخصية.. حتى أن الكثير من الكتاب يلخصون اتحادهم في مطالب يند لها الجبين، وتكشف عن حس خبزي واسترزاقي وعن عقلية الكدية والتسول عندما يختزلون الغاية من هذه المؤسسة ويلخصونها في التغطية الصحية والتفرغ المهني وتسعيرة خاصة في النقل والفنادق والمطاعم والحانات.. متناسين كل ما يمت بصلة للصفة التي يحملونها باعتبارهم كتابا، وضاربين عرض النسيان كل ما له علاقة بالفكر والأدب، فليس ثمة مشروع ثقافي يخدم الإنسان أولا وأخيرا، بل نحن أمام أفواه فاغرة وبطون شرهة وعقول تنشد الغفوة والراحة. لذلك فمتى سيحل اتحاد كتاب المغرب نفسه ؟، ويريحنا من صراع الديكة الذي يخوضه أعضاؤه، حيث يستقوي الديك على الديك للظفر (بالدجاجة) والفوز بكرسي الرئاسة المتحرك إلى ما شاء لهم الوقت والحال من مناصب وزارية واستشارية، ولأنه كرسي متحرك فهو يكون دائما وأبدا من نصيب المعاقين والمشلولين عن أي حراك ثقافي ومشروع فكري، ومتى سيحل نفسه لكي يريحنا من أخبار مؤتمراته أوبالأحرى مؤامراته حيث يلبس فيها المثقف أثواب ميكيافيلي ويسلك أسلوب الجزار أمام القطيع، ومتى سيكف اتحاد الكتاب عن الحديث باسم الكتاب المغاربة، رغم أن معظم هؤلاء الأخيرين قد تجاوزوا هذه المؤسسة الوهمية بنشاطهم الثقافي المستقل والذاتي. إذن فمتى سيحل اتحاد الكتاب نفسه أوبالأحرى متى سيخجل من نفسه لأن دورة تحلله قد اكتملت وثمة روائح كريهة تغزو المشهد، فلا نملك إلا أن نبادل نتانتها بالاشمئزاز.