المقال منشور بالتعاون مع مشروع منبر الحرية : www.minbaralhurriyya.org http://www.minbaralhurriyya.org/ بداية لابد من تعريف الهجرة الحالية للشباب في الوطن العربي، حتى يمكننا فهم مسبباتها وآلياتها ودوافعها في عبارات موجزة موحية فنقول: الهجرة بمعناها المتداول اليوم، هي الانتقال من دولة نامية ذات إمكانات وقدرات ضعيفة، إلى أخرى تتوفر فيها إمكانات اقتصادية عالية ومستوى معيشي مرتفع يفتقدهما الشاب المهاجر في بلده. ولهذا يمكننا القول بأن الهجرة الحالية للشريحة الشابة في الوطن العربي بدأت في السنوات الأخيرة، وبالتحديد بعد الهجرة الواسعة من الريف إلى المدينة في بدايات السبعينيات من القرن الماضي وخاصة في سورية، حيث اصطدام الشباب في حياتهم المدينية الجديدة بالبطالة وزيادة مصاريف المدينة وأعباء المعيشة، لتتحول سريعاً إلى تيار هجرة خارجية توجه فيها الشباب نحو أوربا الغربية بشكل خاص ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث الاقتصاد الحر مزدهر ولا قيود على الحريات الفردية. وفي وقت ما اكتظت أحياء مدن أمريكا اللاتينية بالمهاجرين العرب الشباب كالبرازيل، والأرجنتين، والمكسيك...الخ. إما هرباً من الاضطهاد الديني أو السياسي أو طلباً لحياة أفضل في هذه البلدان، حيث يمكن أن نعد في البرازيل وحدها اليوم أكثر من عشر ملايين مهاجر عربي. أما في الآونة الأخيرة فقد تغير مسار الهجرة الشبابية من الوطن العربي نحو الغرب، حيث أصبح الشباب يحلمون بمستوى معيشي لائق وبالثروة والمال والجاه وبالخلاص من الضغط الداخلي المرير. ولهذا ازدادت الهجرة اللاشرعية بشكل ملفت للنظر في الآونة الأخيرة وخاصة من كل من مصر، وسورية، ولبنان، والأردن، واليمن، والصومال، وبلدان المغرب العربي، وهي البلدان الأكثر تصديراً للمهاجرين الشباب اليوم. هذه الهجرة التي تتم اليوم عن طريق شبكات التهريب التي استطاعت بأساليبها الخاصة تهريب ما يقارب ال 90% من حالات هجرة الشباب العرب إلى الغرب، وإن بدأت تقل في الآونة الأخيرة بسبب معوقات السفر في كل من بلدان الهجرة(الغرب) التي تعمل على الحد من دخول اللاجئين غير الشرعيين إليها، وبلدان المهجر(الوطن العربي)، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الهجرة غير الشرعية على أيدي المهربين ومخاطر الطريق البحري ومشاكله. وعلى العموم يمكن إجمال أسباب هجرة الشباب العربي إلى عدة عوامل أساسية وهي: 1- الزيادة السكانية الكبيرة، والبطالة الناشئة عن الاقتصاد العام الحكومي المغلق والتي طالت مختلف الشرائح الشبابية ومن أعمار مختلفة، ثم الحالة النفسية وحالات الاكتئاب والضغط النفسي التي أصبحت تسيطر على فئة للشباب. فالشاب الذي لا يجد في جيبه ثمن حذائه وقميصه وأحياناً دخانه - إن كان مدخناً- يشعر بالحرج والدونية في مجتمعه فيهاجر مهما كان ثمن هجرته. 2- عدم وجود فرص عمل كافية لاستيعاب الطاقات الشبابية وتحمسهم للعمل والإنتاج. 3- الضغوطات السياسية القمعية والنزاعات العسكرية والسياسات الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة في البلدان العربية، وعدم الاهتمام بالشباب من قبل هذه الحكومات كانت هي أيضا من جملة الأسباب التي أدت إلى الهجرة غير الشرعية المتفاقمة بين شباب الوطن العربي اليوم. 4- رفع سقف القبول بالجامعات الوطنية، بالإضافة إلى اضطراد ارتفاع أسعار المواد الأساسية بشكل جنوني لافت. 5- ظهور حالات من الازدهار الاقتصادي السريع بين بعض الأسر التي هاجر أحد أفرادها، ثم الانبهار بالحياة الغربية والحريات (الليبرالية) المتوفرة فيها والتي تلبي طموحات الشباب المتحمس، وخاصة إذا كان الغرب هو الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تبهر حتى الأوربي نفسه بأسلوب حياتها ومعيشة سكانها. 6- وأخطر أنواع الهجرة، هي ما نسميه بهجرة العقول أو الأدمغة أو أصحاب الشهادات العليا، لأن أوطانهم لاتوفر لهم مجالات تتناسب ومستوى ما يحملونه من شهادات سواء حصلوا على هذه الشهادات في بلدانهم أو من الخارج. لأن بلدانهم تخسر عليهم ملايين الدولارات، بالإضافة إلى أنها تضطر لاستقدام معادليهم من الدول المتقدمة، فيشكلون بذلك خسارة كبيرة لدولهم وبلدانهم. ولذا يجب توفير العمل لهذه العقول وأصحاب الكفاءات مهما كلف الثمن بدلاً من تركهم يهاجرون مرغمين. ولكننا بدأنا نلمس تقلص تيار الهجرة بشكل ملفت اليوم، وخاصة بعد القيود التي فرضها الغرب وإصدار الأوربيين لما سمي ب(الورقة الخضراء) التي ترسم السياسة الأوربية العامة فيما يتعلق بالهجرة من الدول النامية، والتي تنص على عقلانية الهجرة، أي الاعتماد على الهجرة الشرعية لتلبي وحدها متطلبات التنمية الأوربية وسد حاجات سوق العمل الأوربي، على أن يكون المهاجرون المعتمدون من أصحاب الأدمغة والكفاءات وممن هم أكثر دراية وتأهيلاً في مجالات العمل المختلفة. وقد أشارت التقارير إلى أن الهجرة تنتشر بشكل خاص بين شباب الوطن العربي بين من هم في سن المراهقة والذين لايجدون عملا محترما في أوطانهم ويتعرضون لمضايقات وقيود العمل. وبالفعل فقد أشارت تقارير الأممالمتحدة ومنها تقرير(التنمية والجيل القادم) إلى أن المهاجرين من البلدان العربية أومن البلدان النامية هم ممن تتراوح أعمارهم ما بين (12- 24) سنة. ولكن ما هي نتائج هذه الهجرة على الصعيدين الداخلي والخارجي وعلى المنطقة العربية عموماً؟ لاشك أن المهاجرين الشباب سرعان ما يألفون أجواء الحرية السائدة في الغرب بعيداً عما هو سائد في بلدانهم من كبت وفساد وقمع للحريات، وسرعان ما يدركون أن عملهم في بلد المهجر يندرج ضمن مساهماتهم في رفع مستوى المعيشة لأهاليهم بشكل خاص وفي بلدانهم بشكل عام، لما يرسلونه من أموال إلى أهلهم وذويهم حيث ترتفع العمائر وتزدهر البلدان، بالإضافة إلى التخفيف عن كاهل دولهم عبء توفير العمل لهذا السيل المتدفق من الطاقات الشبابية الطامحة إلى العمل والتطلع نحو بناء حياتها ومستقبلها. كما تؤدي هجرة الشباب في جوانبها الإيجابية إلى التخفيف من المشاكل والمنازعات الاجتماعية في المدن والبلدان العربية...الخ. ولكني أرى أن من الأفضل للبلدان العربية الإقتداء بالغرب، والعمل على انتفاء مسببات الهجرة، وترسيخ دعائم اقتصاد متين منفتح، من خلال الاستفادة من طاقاتها الشبابية وفتح مجالات العمل أمام الشباب واحتضانهم بكل أريحية وحرية والعمل على تشغيلهم والإستخدام الأمثل لهم، أي بما معناه الانفتاح على الحريات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية...الخ، حتى يمكن تفجير طاقات الشباب الإبداعية، والاستفادة منهم في بناء أوطانهم العربية والتي هي بأمس الحاجة إليهم بزنودهم وبأيديهم.