"إذا أطلقت نيران مسدسك على الماضي٬ أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك " .. هذه القولة لرسول حمزاتوف - أحد الشخصيات التاريخية في داغستان- تثبت أن من يرحم التاريخ يرحمه و يثبت أقدامه لأن الفرق بين الكتاب المقدس و التاريخ لا يعدوا أن يكون شعرة معاوية .. فالتاريخ كتاب مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مما يحتم علينا كتابته و قراءته كما أنزل لا كما نتوهمه أنه كان أو كما نريده أن يكون .. إلا أن رسل العروبة و أنبياء الوهابية بالمغرب و الذين طالما ارتعدوا من طول تاريخ الأمازيغ استقر رأيهم أخيرا على فكرة غير بريئة وهي اختزال تاريخ بلادنا في 12 قرن فقط ، في وقت يستميت فيه الغرب المتحضر في البحث عن مثقال درة من الدلائل لإثبات عراقة تاريخ شعوبه .. لحسن حظ الأمازيغ أن أخبار شجاعتهم بلغت الآفاق قبل عصر الفضائيات العروبية التي تسبح ببطولات العرب الوهمية ليل نهار .. فقد أورد الشيخ عبد السلام ياسين في كتابه "حوار مع صديق أمازيغي" أن قائد الجيوش العربية إبان الفتوحات أرسل إلى عمر بن الخطاب واصفا له جيوش البربر بأنهم مقاتلون شجعان لا يهابون الموت و يدافعون كالأسود على أرضهم فأجابه عمر بحكمة القائد العسكري العارف بأمور الحروب قائلا : " إياك أن تزج بجيشي ضد هؤلاء البربر ما دمت حيا " .. مؤكدا بموقفه هدا أنه من الغباوة و ليس من الشجاعة في شيء الدخول في حرب أي حرب غير متكافئة ولو كان القائد خليفة رسول الله و أحد المبشرين بالجنة .. قولة بجدر بدعاة الجهاد على الفضائيات أن يقرؤوها جيدا قبل فوات الأوان .. و لأن هده القراءة الموضوعية للتاريخ فيها ذكر لبسالة الأمازيغ فقد غيبت في التاريخ الرسمي في المناهج الدراسية بالدول العربية عامة و بالمغرب خاصة .. فقد صدق المثل القائل " عندما تطعن في الظهر فاعلم أنك في المقدمة " .. فسيوف البلاغة التي تسل ضد الأمازيغ في الصباح و المساء دليل ساطع على أنهم " ير من مشى على قدم " و أبطال لا يشق لهم غبار .. فلنتأمل جميعا قصة أغرب من الخيال أوردها الأكاديمي الكبير محمد شفيق في كتابه " لمحة عن 33 قرن من تاريخ إيمازيغن :" ففي خضم الحرب الأهلية بين القائدين الرومانيين صيوليوس قيصر" و "بومبيوس" تيقن الملك الأمازيغي يوبا1 بأن قيصر في حالة انتصاره سيكون وبالا على إفريقيا فحالف خصمه "بومبيوس" بينما حالف الملكان الموريتانيان بوكود11 و بوكوس11 "يوليوس قيصر". ولما انتصر قيصر وجد يوبا نفسه معزولا عن جيشه و عن أسرته فعزم على الإنتحار بطريقة فريدة من نوعها دلك أنه دعى للمبارزة آخر رفيق وجده بجنبه وهو قائد روماني فتضاربا إلى أن أردى كل منهما الأخر قتيلا سنة 46 ق.م " .. كانت النهاية الشجاعة لهدا البطل الأمازيغي ستكون ملهمة "للأبطال" العرب للمهرولين إلى الحفر و المطابخ لو أدرجوا تاريخ الأبطال الأمازيغ في المداس عوض إشباعهم السب و الشتم – أسلحة من لا سلاح ولا حضارة له .. و لسوء حظ العرب أنهم لو لم يبعدوا تاريخ الأمازيغ عن مدارسهم لما التجأ صدام حسين إلى حفرة نتنة كالفأر مرتعدا من الخوف .. ولو قرأ بلادن و الظواهري و الملا عمر و اسماعيل هنية ومشعل و نصر الله الملاحم البطولية للقادة الأمازيغ لما هربوا للإختباء في الأحياء الشعبية و في المطابخ و متنكرين في زي النساء في الأسواق ولما اتخذوا الأطفال و الشيوخ و النساء دروعا بشرية علما منهم أن القيم الديموقراطية لإسرائيل و الغرب لا تسمح لهم بضرب المدنيين .. وهكذا و من أجل أهداف لا دينية يدفعون بالأبرياء إلى الموت و البؤس في إحدى أكثر الحروب فضاعة في عصرالعرب "الجاهلي" الحديث .. ما لا يملك العروبيون الشجاعة للاعتراف به و يسعون لحذفه من تاريخ الأمازيغ هو كون الشعب الأمازيغي جمع بين الشجاعة و نبل الأخلاق .. فأين هؤلاء من بسالة "دهيا" و تضحيتها حين نصحها جيشها بالهروب حفاظا على حياتها فأجابتهم قائلة : " لن أهرب و أترك الذل لشعبي " .. لقد استشهدت دهيا و ذهبت لكن رنين كلماتها سيضل يقض مضاجع الجبناء إلى الأبد .. و أينهم من نبل و شجاعة "أسد الريف" عبد الكريم الخطابي الذي فضل الإستسلام لكي لا يباد شعبه في معركة غير متكافئة بعد أن تحالفت إسبانيا و فرنسا و ألمانيا واتفقت على استعمال الأسلحة الكيماوية بمباركة من أبناء القومية العربية و الوهابية ..لقد استشهدت "دهية" و تبعها " يوبا" و "الخطابي " لكن ذكراهم ضلت تقض مضجع الجبناء إلى الأبد وستضل أسماءهم كذلك حتى وهي مجرد كلمات فوق أبواب المدارس .. إن اختزال تاريخ شعب عريق كالشعب الأمازيغي الذي عايش و حارب أكبر الإمبراطوريات التي عاشت مند أكثر من عشرة قرون قبل الميلاد في 12 قرن فقط لن يقبله كل ذي عقل سليم لو اجتمعت الجن و الإنس على أن يأتوا له بتبرير ..لأن العالم يعلم علم اليقين أن "أرض البربر" لم تكن واد غير ذي زرع لم تطأها قدم إنس ولا جان حتى جاءها غزاة من الشرق متسربلين بعباية الإسلام ونشروا فيها فنون العمارة و الفلاحة وهم الذين و صفهم ابن خلدون ب " عصابات من القتلة و قطاع الطرق " .. وفاقد الشيء لا يعطيه كما يقال ..وتدل استماتة عروبيوا و اسلاميوا مغرب اليوم في معركة محو الأمازيغ حضاريا و إقصائهم لغويا و إبادتهم تاريخيا على أن العرب ما بدلوا تبديلا .. وقد صدق الثل القائل " من شابه أباه فما ظلم " .. هكذا فبعد أن كان الأجداد " قطاع الطريق" – على حد تعبير ابن خلدون- أصبح الأحفاد "قطاع الطريق" بسكاكين الإيديولوجية المشرقية و الأندلسية الحادة ليكتفوا بتاريخ مدينة "الفاسي" من علال "الفاسي" و محمد "الفاسي" مرورا بالطيب "الفاسي" .. وليت اللائحة تقف عند عباس "الفاسي" و لكن الهدف الغير المعلن هو تحويل هذا البلد الأمازيغي الكبير و "شعبه العظيم و الغني " - حسب شهادة سترابون في مؤلفه "الجغرافيا"- ليس فقط إلى المغرب " العربي" بل إلى المغرب "الفاسي" .. لا أدري إن كان هذا هو بالضبط مقصدهم لكنها قراءتي .. فهل سيتراجع قارعوا طبول الحرب في كل المناسبات عن قرارهم القاضي باختزال تاريخ المغرب في "ليلة و ضحاها"؟! .. سؤال سيجيب عنه الغد القريب .. فإذا كان الجواب ب"السلب" فلن يسع المرء إلا أن يضم صوته لصوت الكاتب الكبير جورج ماسي متأسفا : " ما يسمى بالغزو الهلالي يظهر مع البعد الزماني كأبرز كارثة ما كان أبدا لبلاد البربر أن تشفى منها أبدا " .. إنها الحقيقة تقطر من منابعها.. وقد صاغها قلم الكاتب "الإنسان" في لحظة تأملية فيها من الجلال ما فيها .. وفيها ما يكفي لإدانة هذا الوجه القبيح لشيطان "العروبة و الوهابية" الذي أصبحت بشاعته فوق قدرة الإنسان على الاحتمال .. [email protected] mailto:[email protected]