في لقاء لتقديم الموقع الإلكتروني الجديد لوزارته صرح الوزير الفيلسوف بنسالم حميش بأن هذا الموقع عبارة عن دليل مادي على مواكبة الحداثة. لقد اختصر السيد الوزير الحداثة في موقع إلكتروني. ويبدو من خلال هذا لكلام أن صاحب كتاب "مجنون الحكم" نسي دروسه في الفلسفة. ويبدو كذلك أن السيد الوزير الذي ينتمي إلى حزب رفع شعار مغرب الحداثة في مؤتمره السابع لم يطلع على ما جاد به عدد من مثقفي بلده كعبد الله العروي الذي ناقش مفهوم الحداثة لما يزيد عن الربع قرن. فيظهر أن بنسالم حميش لا يفرق بين الحداثة والتحديث. وهنا نعود بوزير ثقافتنا لنذكره بأن الحداثة ليست موقعا إلكترونيا لوزارة لا سلطة لها داخل حكومة لا تحكم. الحداثة سيدي الوزير لا يمكن استنباتها في وطن بمؤسسات تقليدية غير فاعلة. الحداثة سيدي الوزير تعني القطيعة التامة مع التراث الميت والمميت. إنها قيمة سائدة في المجتمعات المتطورة التي قامت بثوراتها السياسية والاقتصادية والثقافية. الحداثة سيدي الوزير هي تربية على قيم العقل والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. إنها انتقال من مجتمع الأمية والإقطاع الذي نعيش فيه إلى مجتمع المعرفة والعلم والتقنية. من مجتمع الهوية إلى مجتمع الكفاءة.في ذلك اللقاء، تحدث وزير الثقافة بلغته التي تراجعت بسنوات ضوئية إلى الخلف بعد ولوجه الوزارة كما تحدث في برنامج تيارات في حلقة الثامن فبراير الأخير. حينها قال بأن دينامية ثقافية أطلقت في المغرب كله ولم تبق حكرا على المركز فقط. ولتثبيت ذلك ذكر تدشين الملك لدار الثقافة بفيكيك. مرة أخرى اختصر بنسالم حميش الدينامية الثقافية في جدران من إسمنت. فكم من سينما ومسرح ودار للشباب ودار للثقافة مغلقة اليوم في المغرب؟ وكم من فضاء للثقافة غير مفعل؟استحضرت كل المعطيات السابقة عندما دخلت حي سيدي موسى بمدينة سلا التي تعيش على إيقاع ثقافة البادية والإجرام والتخلف والفقر. التقيت بالعديد من الشبان الذين أعرفهم. جلست إلى جانبهم وأطلت السمع لمحادثاتهم التي دامت لأزيد من الساعة. كان النقاش يدور على تناول المخدرات. كانت المقارنة بين أنواع الحشيش تغني النقاش. لهؤلاء الشبان معرفة دقيقة بأنواع المخدرات والمهلوسات. فهم يحفظون طعمها ولونها وثمنها كما لا يحفظ الوزير معنى الحداثة!مرت ساعة من النقاش المرير حول الزطلة والقرقوبي والمعجون وسبل الوصول إلى الرزق. إنها الثقافة السائدة سيدي الوزير. وأنت تتحدث عن الحداثة. إن حداثتك سيدي الوزير حداثة معطوبة ومزطلة! في سيدي موسى بسلا، يبدو كلام الوزير غريبا. يبدو وكأنه حلم عميق. إنه يقول بأن "الموقع الإلكتروني سيكون مرآة الثقافة المغربية". فترى هل سيكون هذا الموقع مرآة تعكس آلام هؤلاء الأشباه-مواطنين؟ هل سيعكس موقعكم تخلف شعب بأكمله في مفترق طريق؟ ترى هل سيعكس هذا الموقع ثقافة سيدي موسى وثقافة الزطلة؟!