ما أحوجنا اليوم.. ربما قبل اليوم.. إلى صرخة شوقي.. في أخلاق الأمم.. "إن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.." ** سأل نيرون.. فيلسوفه رينون.. عن منظر روما وهي تحترق.. تذوب في لهيب الشيطان.. تغيب في أمواج من الدخان.. فقال رينون لنيرون: «إذا احترقت روما اليوم.. فسيأتي من يعيد بناءها من جديد.. وربما أحسن مما كانت عليه.. بالإسمنت والخشب والحديد.. لكن ما يؤلم حقا سيدي.. أنني أعلم أنك قتلت بدون هوادة.. في شعبك المعاني الجميلة.. بفرضك عليه تربية دنيئة.. بتعليم شعر رديء بالجملة.. فهيهات إذا ماتت المعاني.. في شعب مغلوب على أمره.. أن يأتي من يحييها من جديد.." ** حكاية نيرون تدعونا اليوم.. ربما مرة أخرى من جديد.. إلى صرخة شوقي.. في أخلاق الأمم.. "إن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.." ** فحالتنا اليوم.. ربما منذ زمن بعيد.. تغرق في وحل تخلف.. يخيم على نبض الحياة.. يكاد يكون مزمنا.. يكاد يكون طبيعيا.. يكاد يكون قدرا ميتافيزيقيا.. خارج إرادة البشر.. فما وصلنا إليه اليوم.. لا دور لأسباب مادية فيه.. لا اقتصادية ولا سياسية.. إنما هي أخلاقية تربوية.. تحتاج إلى صحوة ثورية.. إنما هي جهل ما يحيط بنا.. إنما هي نقص في تحليل الواقع عندنا.. إنما هي قتل المعاني الجميلة فينا.. ** فحالتنا اليوم.. ربما مرة أخرى من جديد.. تستدعي صرخة شوقي.. في أخلاق الأمم.. "إن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.." ** بالرعب والقمع.. بالتخويف والتجويع.. ربما بالترهيب والقتل.. قتل فينا مسئولونا العظام.. الذين لم نخترهم أبدا.. في يوم من الأيام.. قتلوا الكثير من المعاني في نفوسنا.. قتلوا الوطنية فينا.. وحولوها إلى مجرد وسام.. يعلق على صدر الخونة.. ولاحسي الأحذية.. في مناسبات وطنية.. والمقاومون الأحرار.. يطلق أسماء بعضهم في أحسن الأحوال.. على أزقة هامشية.. وبعض المدارس العمومية.. والباقي منهم في ضيافة النسيان.. تتكفل بهم مزبلة التاريخ.. ** فالرعب والقمع.. ربما مرة أخرى من جديد.. يوقظ فينا صرخة شوقي.. في أخلاق الأمم.. "إن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.." ** قتلوا الكرامة والنخوة فينا.. وحولونا إلى مجرد قطعان.. يساق بنا إلى المراعي.. لنعود في المساء إلى الحظيرة.. لا ندري من أمرنا فتيلة.. لقد نجحوا في تربية أجيال.. من التيوس والخرفان.. فإذا ما جر واحد منا من قرنه.. تبعه الآخرون مهرولين.. بدون تردد أو عصيان.. قتلوا الحب فينا.. وتعهدوا بالرعاية الفائقة.. لحب خاص لا شريك له.. حب المال وحب التملك.. حب الذات وحب الظهور.. لا مكان للأخلاق فيه.. لا مكان للعدل والمساواة فيه.. بالتالي لا مكان للإنسانية فيه.. ** فقتل كل ما هو جميل فينا.. ربما مرة أخرى وأخرى.. يحتاج العودة إلى صرخة شوقي.. في أخلاق الأمم.. "إن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.." ** أزمتنا ياسادة.. أزمة ضمير وأخلاق.. لا أزمة اقتصاد وسياسة.. فالاقتصاد عندنا لا أخلاق له.. والسياسة عندنا لا قيم لها.. حتى التعليم والصحة.. انعدمت فيهما الأخلاق.. جعجعة النقابيات الرخيصة.. تملأ فضاءهما بالمزايدات.. تحولت الأحزاب إلى مقاولات.. يستثمر فيها النضال كأسهم واهية.. في برصة الانتخابات.. الشعب لا يعيش فقط بالخبز والماء.. الشعب لا يحيا بالخوف والرجاء.. الشعب في حاجة إلى أخلاق.. إلى كرامة بدون نفاق.. إلى عدل ومساواة ورزق الحلال.. إلى معاني الحق والخير والجمال.. ** فأزمة الضمير والأخلاق.. تحتاج منا دائما وباستمرار.. إلى تدبير صرخة شوقي.. في أخلاق الأمم.. "إن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.."