اعتاد برلمان "با عمر" ان يجتمع ظهيرة كل جمعة اسبوعيا، وهو برلمان مصغر يلتقي فيه اصدقاء مختلفون في اتجاهاتهم الفكرية وارائهم السياسية ومشاربهم الاعتقادية وحتى في طرق تعبيراتهم الابداعية فمنهم الرسامون والمسرحيون والصحفيون والاكاديميون.فاز كل هؤلاء في برلمان "با عمر" دون حملات دعائية محمومة ولا نوايا مسبقة للاسئثار بامتيازات غير مشروعة، وانما كان الجسر المشترك لعبور اعضائه للفوز بمقاعدهم البرلمانية هو مجرد الايمان المشترك بقدرة المثقف على تغيير وجه الحياة نحو الافضل حتى لو كان هذا التغيير ضئيلا وبطيئا. ولان هذه قاعدة صلبة، فتجدهم دوما غالبا ما يختلفون في ارائهم السياسية ويتقاطعون في وجهات نظرهم في هذه الشخصية البرلمانية او الحكومية او حتى التاريخية، وتمتد الخلافات الى مناطق محذورة في العقائد والتاريخ والدين، ولكن لاتصل هذه الخلافات الى منطقة التوتر في الاعصاب والتشنج في القول او التعصب في الراي او التنابز بالشتائم وتبادل الفضائح كما يفعل بعض الساسة من شاشات الفضائيات عندما يحدث خلاف في ما بينهم، ولم يفكر احد من برلمانيي "با عمر" من الاسلاميين او الملحدين او العبثيين ان يقاطعوا جلسات رئيسه الاسلامي ولامرة واحدة، لشعورهم التام بتمتعهم بحق الاختلاف في الراي، ولذا غالبا ماتنتهي جلسات البرلمان وتنفض بفيض من عواطف المحبة وابتسامات امل اللقاء لموعد اسبوعي اخر يمارس فيه الاصدقاء حقوقهم في برلمان مثالي صغير يحتمل كل هذه الخلافات والتقاطعات تحت سقف من المودة والمحبة المتبادلة، ولذا فجلسات هذا البرلمان المصغرعادة ما تكون مكتملة النصاب القانوني، ونادراً ما يتغيب احد اعضائه الا بعذر شرعي يقدمه الى رئيس البرلمان، ولهذا لم يحصل تلكؤ في القرارات الصادرة من برلمان "با عمر" منذ تاسيسه، لانه لا يعاني من السلسلة الطويلة من العقبات الروتينية التي تمر بها قرارات البرلمان المغربي الحقيقي وتسببت في ترحيل عشرات المشاريع من القرارات المهمة الى الدورة البرلمانية المقبلة.نسيت ان اذكر بانه رغم كل هذه الديمقراطية التي تصون حق الاختلاف في الرأي ورغم ان النظام الداخلي لهذا البرلمان يخلو من الامتيازات فيما عدا وجبة غداء شهية اسبوعيا، الا ان هذا البرلمان وبعد ان فكر بعض اعضائه بالارتقاء بطموحهم والخروج من برلمانهم الصغير الذي ضاق بطموحهم الى برلمان المغرب الكبير، اصدر بالاجماع (وهذا لايحدث الا نادرا) عشية انطلاق الحملة الدعائية المحمومة للانتخابات البرلمانية الأخيرة، قرارا استباقيا يقضي بفصل مثل هذا العضو في حال تحقيق فوزه لاسمح الله، وعند ذاك سيكون هذا العضو محروما من جميع امتيازات برلمان "با عمر" خصوصا وجبة الغداء الشهية التي يتناولها اعضاء البرلمان قبل انعقاد جلساته الاسبوعية ظهيرة كل جمعة.