من ظلام القبور..من عالم الأموات..من داخل قبري الضيق..ألوذ بكم يا معشر الأحياء..نيابة عن كل إخواني القتلى البالغ عددهم 41 قتيلا..قبيل ظهر يوم الجمعة الماضي،كنا أحياء مثلكم..نحلم بحياة مديدة..نداعب أطفالنا،ونبني جبالا من الأحلام الوردية مع زوجاتنا وبناتنا وأمهاتنا..كنت أنا موظفا بسيطا ومع ذلك أعيش حياة سعيدة،وهذا القتيل الذي يرقد على يميني بالمقبرة..كان طفلا بريئا يحلم بأن يصبح ربان طائرة حينما يشتد عوده،أما هذا الذي يرقد على يساري فقد كان شابا في الثلاثين والمعيل الوحيد لأسرته..كانت له حبيبة وكان على وشك الإقتران بمعشوقته،لقد اقتنى لخطيبته خاتم الزواج ،وودعها على أمل اللقاء بها بعد ظهر ذلك اليوم المشؤوم..جيراني في هذا العالم المظلم البالغ عددهم 41 قتيل..لكل واحد قصته..وأحلامه..ظهر يوم الجمعة الماضي،جمعنا القدر والصدفة والرغبة في آداء صلاة الجمعة في مسجد برداعين بمكناس..ارتدينا أجمل ما لدينا من ثياب،كنا نظن أننا ذاهبون إلى الصلاة،لذلك لم نودع أهلنا وداع المسافر أو الراحل إلى دار البقاء،لم نحضن صغارنا ولم نقبل زوجاتنا قبلات الوداع..لقد كنا ذاهبون إلى حتفنا دون أن ندري..وحدها وزارة الأوقاف والمسؤولون هنا يعلمون بتقاعسهم عن آداء واجبهم،إلى أين نحن ذاهبون..لقد قتلونا شر قتلة..لقد قتلنا وزير الأوقاف بإهماله وشوه جثثنا وزير الإتصال بتصريحاته الكاذبة بخصوص هذه الجريمة النكراء،لقد حاول هذا الشخص تبرئة حكومته ونظامه من أرواحنا المهدورة طمعا في الإستمرار في منصب حقير،أهاننا وأهان عائلاتنا المخزن -بهباته-التي لا تسمن ولا تغني من جوع،بينما نحن مدثرون ومكبلون هنا بالأكفان تحت الأرض إلى ما لا نهاية،لا حياة ولا أحلام ولا نور هنا..فقط ظلام دامس وبرد قاتل وديدان تنهش ما تبقى من أجسادنا،يا معشر الأحياء..إننا نترجاكم ونناشدكم ألا تخذلونا..لا تدعوا أرواحنا تذهب هدرا،إنها أمانة في اعناقكم..كل حي فيكم مسؤول عن أرواحنا،لا تملوا من المطالبة بالقصاص ممن كانوا سببا في وأدنا تحت التراب رغما عنا..لا الله أراد قتلنا ولا القدر أراد ولا المطر ولا الرياح..لقد قتلتنا الحكومة..قتلتنا الدولة..قتلنا الإهمال..قتلنا السفاحون بلا مبالاتهم واحتقارهم..لن نسامحهم مهما طال الزمن،نحن هنا راقدون..لكن أرواحنا ستطاردهم ما تبقى لهم من عمر..يا معشر الأحياء..إنكم ملاذنا الوحيد،نناشدكم بكل اللغات ألا تنسوا هذه الجريمة،ألا تتهاونوا في جر المجرمين إلى المحاكم..نرجوكم ونتوسل إليكم،لا تتركوهم أحرارا طلقاء..نغصوا عليهم عيشتهم..إفضحوهم..شهروا بهم،إنهم سفاحون ويستحقون ضرب الأعناق،لقد أرغمونا على الذهاب إلى عالم الأموات،إختطفونا من أحضان أمهاتنا واطفالنا وأحبتنا..يا بشر..يا معشر الأحياء..إنكم لا محالة شاهدون على هذا الظلم الجبان..لماذا نحن؟؟؟ لماذا نحن؟؟ لماذا رملوا نساءنا وهم عرائس؟؟ لماذا يتموا أطفالنا وهم رضع؟؟ من يوقف الظلم؟؟ من يوقف الظغيان؟؟ أليست في قلوبكم ذرة إنسانية؟؟يا معشر الأحياء..إن كنتم أحرارا ومن طينة الإنسانية..أقيموا الدنيا ولا تقعدوها،نحن السابقون وأنتم اللا حقون لا محالة،بالأمس سقط على رؤوسنا مسجد وغدا يسقط على رؤوسكم مستشفى أو سجن أو مصنع أو..أو..في بلاد السيبة واللاعقاب واللاديمقراطية،لا أحد يموت موتا طبيعيا،يعلم الفرد منا متى يخرج لكنه لا يدري متى يعود وهل سيعود إلى بيته سالما،نوصيكم ونوصيكم ونلح عليكم،ألا تأكلوا لحمنا ونحن أموات حينما تطلقون علينا لقب-شهداء-نحن لسنا -شهداء-إننا قتلى وضحايا الإستهتار..لن نرضى..لن نرضى أبدا ولن نقبل ان نكون-شهداء-وزارة الأوقاف والحكومة والدولة..نحن قتلى فرجاء قليلا من الإحترام..نادونا بأسمائنا..قتلى وضحايا الدولة.