أن يعيش المرء لمائة عام، حلمٌ يراود كل إنسان، لذلك ما فتئ المتخصصون في التغذية ونظامها يقدمون النصح، وما على الفرد سوى اتباع نصائحهم. ففي مدينة صوريا التي توجد بمنطقة كاستيا إي ليون في إسبانيا، يصبح هذا الحلم واقعا قائما بشكل تدريجي كما يستشف من تدخل أحد منتخبي هذه المدينة، الدكتور رويث ليثو، الذي جاء إلى شفشاون لكي يبرز ويعدد مزايا النظام الغذائي المتوسطي، هذه الحمية التي حاول ممثلو أربع مدن تنتمي للحوض المتوسطي هي، إضافة إلى صوريا، كورون ( اليونان) وسيلينتو ( إيطاليا) وشفشاون جاهدين تفسيرها خلال لقاء نظم يوم السبت الماضي بمقر بلدية هذه المدينة العريقة التي تم اختيارها لتمثيل المغرب في الترشيح المشترك لتسجيل النظام الغذائي المتوسطي ضمن التراث الثقافي اللامادي للإنسانية لدى منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو). وحسب هذا المنتخب الذي يزاول مهنة الطب، فإن صوريا تحتضن أكبر عدد من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم مائة عام في كل 100 ألف نسمة عبر العالم، وذلك بفضل هذا النظام الغذائي المعروف الذي تعتزم المدن الأربعة، التي تتقاسم الفضاء الجغرافي المتوسطي، وماضيا وحضارة مشتركين، فضلا عن نظام غذائي يقوم بالخصوص على الاستهلاك الهام لزيت الزيتون والخضروات والفواكه والأسماك، تسجيله ضمن التراث العالمي لليونيسكو. ويشرح الدكتور رويث ليثو وصفته التي تمثل "العلاج الأنجع والأقل تكلفة " لمحاربة كل أنواع الأمراض. ومن أجل تمرير رسالته، يروج هذا المنتخب لهذا المشروع الطموح في مدن أخرى مرشحة، داعيا إلى تبني العديد من الأفكار المطبقة بالفعل في مدينته ذات الأربعين ألف نسمة، بدءا بإحداث حي يحمل إسم النظام الغذائي المتوسطي، وشارع باسم القيلولة التي تشكل أحد مكونات هذا النمط من الحياة، وصولا إلى لائحة بأسماء أغذية المنطقة مرورا بألعاب تفاعلية للأطفال حول الموضوع نفسه في المدارس. وقد استأثرت هذه الفكرة باهتمام المسؤولين عن المدن الأخرى بمن في ذلك السيد محمد السفياني، رئيس الجماعة الحضرية لشفشاون التي احتضنت يوم السبت الماضي أول لقاء يجمع هذه المدن الأربعة بغية تسجيل النظام الغذائي المتوسطي ضمن اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي للإنسانية لدى اليونيسكو التي يرتقب أن تحسم في الموضوع خلال نونبر المقبل. وأجمع المتدخلون خلال هذا اللقاء على التأكيد على أن النظام الغذائي المتوسطي يمثل نمط حياة أكثر من كونه منتوجا. ويشهد إعلان شفشاون، الذي تم التوقيع عليه في ختام هذا اللقاء الذي عرف حضورا وازنا للمجتمع المدني (المكون الأساسي لإنجاح مثل هذا المشروع كما تشترط ذلك اليونيسكو ضمن معاييرها الخمسة) على إرادة والتزام هذه المدن المتوسطية الأربعة التي تعلن بذلك حربا على الوجبات السريعة. + نظام التغذية المتوسطي، محفز للحوار الثقافي + ويستشف من خلال هذه المداخلات، أن الحمية المتوسطية تشكل محفزا قويا للحوار الثقافي، حيث يعكس هذا النظام الغذائي الذي يدعوه المتخصصون بالحمية المتوسطية، الأهمية والاهتمام الذي يبديه السكان المتوسطيون للتغذية السليمة، ولاحترام الأغذية ومتع مائدة الطعام . هذه الطريقة في العيش تتجسد كذلك من خلال التعبير عن مشاعر الترحاب والحميمية التي تسود الجلسات حول مائدة الطعام في حوض المتوسط، وهو معطى ركز عليه الدكتور رويز ليزو. نمط العيش هذا هو ما ذهب ممثلو المدن الأربع الذين يتقاسمون عدة أشياء مشتركة، للدفاع عنه في ردهات اليونيسكو، بغية تسجيل هذه الحمية ضمن الموروث اللامادي للإنسانية، انطلاقا من عمل دام سنتين، تم القيام به بشكل مشترك في إيطاليا وإسبانيا والمغرب وكذا اليونان. + نظام تغذية يقي من الإصابة بأمراض القلب والشرايين + وشكل هذا النمط من العيش المتوازن الذي لا ينفصل عن السلوكات الغذائية والتمارين الرياضية، ولا زال يشكل موضوع العديد من الدراسات التي تثمن في أغلبيتها إن لم نقل في مجموعها المزايا الصحية لهذه الحمية المتوسطية. وأوضح الدكتور الإسباني، أن العديد من الدراسات أظهرت أن نظام التغذية المتوسطي يشكل حصنا يقي من الإصابة بأمراض القلب والشرايين والأورام السرطانية والباركينسون والزهايمر و كذا السمنة. واعتبارا لهذه الأسباب تعتبر المنظمة العالمية للصحة منذ سنة 1996، أن الحمية المتوسطية تمثل نموذج الاستهلاك المرجعي على المستويين الغذائي والصحي، حيث تدعو الأوساط العلمية والطبية إلى تغذية تتماشى مع هذا النموذج . العيش لقرن من الزمن، كما هو الحال في صوريا، لن يظل حلما غير قابل للتحقيق، فيكفي استهلاك منتوجات أصلية وممارسة الأنشطة الرياضية لبلوغ ذلك إن شاء القدر.