- إعداد محمود القلعي - وجدت دول الاستقبال، وهي تواجه الازمة الاقتصادية التي هزت العالم، نفسها بين مطرقة مراجعة قوانينها الوطنية، وسندان متطلبات احترام حقوق الملايين من المهاجرين. وتعد الهجرة، التي يتم تناولها دائما من منطلق التدبير الأمني، أحد أكبر تحديات القرن الحالي، والذي يتطلب تعاونا وتضامنا وتلاحما مكثفا بين البلدان المعنية. وقال السفير الممثل الدائم للمغرب لدى المنظمات الدولية بالنمسا السيد عمر زنيبر، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء على هامش مشاركته بالقاهرة في المؤتمر المتوسطي لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، حول موضوع "الشركاء المتوسطيون ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبى .. التعاون نحو تعزيز الأمن والاستقرار"، إنه "بالنظر للعلاقة الوثيقة بين الهجرة والأمن، فإن العالم أصبح يعرف بناء أسوار إسمنتية وإلكترونية وبيومترية، وأحيانا أسوار من اللاتفاهم والرفض". وعبر الدبلوماسي المغربي، في السياق نفسه، عن اسفه لكون النقاشات العمومية "تشير بأصبع الاتهام للمهاجرين لأسباب سياسوية وضيعة" وهي ممارسات لاتأخذ، حسب السيد زنيبر، بعين الاعتبار وضعية الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية، والوضع القانوني الضعيف اللذين يعيش في ظلهما هؤلاء الأشخاص، واللذين تكرسا بفعل الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية. + 200 مليون مهاجر في العالم مهددون بالأزمة الاقتصادية + تتوزع الهجرة، التي تهم 200 مليون شخص أي ثلاثة بالمائة من سكان العالم، على بلدان متقدمة وأخرى في طريق النمو بالقارتين الإفريقية والأسيوية. وفي هذا السياق، أشار المسؤول المغربي إلى أنه يجب النظر إلى هذا الرقم من زاوية عصر العولمة، "حيث يوجد تناقض أساسي بين حرية تنقل المعلومة والأفكار والسلع والرساميل، وبين القيود المفروضة على حرية تنقل الأشخاص". وأوضح الدبلوماسي المغربي، الذي أكد أن الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية عززت هذا التناقض، أن المهاجرين، وخصوصا منهم الأقل تأهيلا، يشكلون الضحية الأولى لهذا الوضع بالنظر إلى أنهم يقصون بشكل منتظم من سوق الشغل، ويتم تشغيلهم أو تسريحهم حسب تقلبات الاقتصادات الوطنية. وسجل أن المهاجرين يمثلون عموما نسبة مائوية مضاعفة على مستوى البطالة، مقارنة بالسكان الأصليين، مضيفا أن سياسات التقييد والانكماش على الذات، وإغلاق الأسواق وأبواب الشغل والحدود، التي تنتهج في فترة الأزمة، تساهم أيضا في "تفاقم بعض الأضرار التي تلحق بالمهاجرين، وتغذي مشاعر الكراهية داخل مجتمعات الاستقبال". + سياسات "مؤسفة" على مستوى الهجرة + ووصف الدبلوماسي المغربي سياسة الانكماش على الذات، التي تنهجها بلدان الاستقبال ب"المؤسفة"، لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار حاجيات اقتصاديات البلدان المصنعة على المدى الطويل، وكذا التوجهات الديمغرافية المستقبلية. وذكر في هذا الخصوص بأن بعض الدراسات تشير إلى أنه في غياب الهجرة، فإن عدد السكان في سن العمل في البلدان المتقدمة، سيتراجع بنسبة 23 بالمائة بحلول سنة 2050. وفي المقابل فإنه يتوقع أن يتضاعف عدد هذه الساكنة في إفريقيا ثلاث مرات لتنتقل من 408 نسمة سنة 2005 إلى 12ر1 مليار. وشدد الدبلوماسي المغربي في هذا السياق، على أن الأزمة المالية لا يجب أن تمثل عقبة أمام "إرساء رؤية على المدى الطويل في ما يتعلق بتدبير الهجرة بناء على مقاربة متوازنة، وتدبير مشترك يأخذ بعين الاعتبار المستوى الديمغرافي في بعض بلدان منظمة الأمن والتعاون الأوروبي والبلدان الشريكة". وأضاف أن "الأمر يتعلق ببساطة بتقييم الحاجيات الحقيقية، في إطار سياسة مشتركة، مع احترام السياسات التي تحددها كل دولة بطبيعة الحال". ومن اجل تجاوز هذا الوضع، شدد السيد زنيبر على ضرورة العمل على التخفيف من آثار الأزمة على بلدان المصدر، والتي تعول غالبا على تحويلات المهاجرين في ضمان توازن اقتصادياتها وسياساتها التنموية". وأضاف أنه يتعين على دول الاستقبال محاربة" تسليع" المهاجرين من خلال جعل حقوقهم في صلب كل سياسات الهجرة، وخصوصا تلك المتعلقة بحماية وتعزيز الحقوق الاجتماعية ?السياسية. ودعا أيضا إلى توسيع فرص الولوج القانوني إلى سوق الشغل خصوصا من خلال النهوض بالأشكال الجديدة للهجرة ومحاربة التمييز والأحكام الجاهزة وتعزيز الحوار الإقليمي حول الهجرة، وكذا العمل على واجهتي الإعلام والتربية. أما على الصعيد الاقتصادي والمالي والاجتماعي، فشدد الدبلوماسي المغربي على ضرورة وضع سياسة على المدى الطويل للتقليص ما أمكن من آثار تدفقات الهجرة على مستوى تدبير الأمن، من خلال تشجيع هجرة مقننة. ودعا أيضا إلى تشجيع نقل المعرفة والخبرة بالنسبة للمهاجرين، ووضع نماذج للنمو حيث يتم اعتبار الهجرة كجزء من الحل، وكذا وضع نظام لتكوين وإعادة تأهيل المهاجرين، من أجل تمكينهم من التكيف مع متغيرات وتقلبات سوق الشغل. كما يتطلب تدبير الهجرة أيضا، انخراط بلدان المصدر والعبور. وفي مجال محاربة الهجرة غير الشرعية، فإن تحرك الدول المعنية، يجب أن يهدف بالخصوص إلى محاصرة نشاط المنظمات الإجرامية التي تنهب أموال المهاجرين، وتنظم عمليات الهجرة في ظروف خطيرة جدا، مما يخلف مآسي عدة.