هكذا، وبدون مقدمات، اعتلى خشبة (مسرح بيروت) أمس الأحد ثلاثة شبان يعانقون، بحب لا يخفى، آلاتهم الموسيقية: عود وقانون ورق .. هم أعضاء فرقة (سهرت) اللبنانية للطرب العربي الأصيل. فكأنما كسر أفراد الفرقة، التي تتغيى السمو بالذائقة العربية إلى أعلى عليين، "الجدار الرابع" بمحادثة الجمهور بتلقائية والإنصات لرأيه والرد على مقترحاته والتجاوب مع رغباته. وعلى غرار التخت العربي القديم ، لم يكن هناك ميكروفون ولا كهرباء ولا هندسة صوت ... وحده الإنصات للصوت الرخيم لنعيم الأشقر، ووحده الاستمتاع بنغمات عوده، ونغمات القانون تداعبه أنامل "مايسترو" الفرقة غسان سحاب. ولأن ابن البط عوام، فغسان هو نجل الناقد الموسيقي إلياس سحاب. ولأنه كبيرهم الذي علمهم الموسيقى، فقد أعطى إشارة البدء بأداء مقطوعات من روائع الطرب العربي حددها الجمهور سلفا بتصويته على قائمة من عشرين أغنية. بدءا وخارج قواعد اللعبة، أدت الفرقة مقطوعة (امتى حتعرف) لاسمهان من كلمات مامون الشناوي وألحان محمد القصبجي، قبل أن تؤدي لمحمد عبد الوهاب أغنيتي (عندما يأتي المساء)، ثم (مضناك جفاه مرقده) اللتين حازتا أعلى نسبة من أصوات الجمهور. وأدت الفرقة وصلة مصغرة بمقام متفرد، تضمنت تقاسيم وموالا، مثلما كان عليه الحال خلال جلسات الطرب في القرن التاسع عشر، ثم أدت (بياع الهوى) لمحمد عبد المطلب من ألحان محمود الشريف، فموسيقى (على بلدي المحبوب)، وأغنية (مادام تحب) لأم كلثوم من ألحان القصبجي. ولأن حق الطعن مسموح في "الطريقة الديموقراطية" التي أرادتها الفرقة لحفلها المتميز، ولأن حق الأقلية مضمون، أعادت الفرقة الموسيقية أداء مقطع تجاوزته سهوا بناء على طلب من بعض الحضور. أقر مغني الفرقة أن أغنية (يا طيور) للفنانة اسمهان، التي حازت أعلى نسبة من الأصوات، تستعصي على قدراته الصوتية، إذ "الحلو لا يكمل، والديموقراطية لا تخلو من ثغرات"، فتجاوزها والفرقة إلى أغنية (فرق ما بينا) التي لحنها القصبجي. وأدت الفرقة أغنية (عاشق الروح) لمحمد عبد الوهاب من كلمات عبد الوهاب محمد والمستقاة من فيلم (غزل البنات)، ثم أغنية (كلموني ثاني عنك) لأم كلثوم، و(في يوم وليلة) لوردة الجزائرية. رافق الفرقة الموسيقية، التي لامست عن كثب تفاعل الجمهور المتذوق مع روائع الطرب العربي التي أدتها، على الإيقاع رائد أبو كمال فيما كان الإشراف الموسيقي لخالد صبيح. وانفض الحفل، على وعد بتكرار التجربة في الشهر القادم ضمن الأجواء الحميمية ذاتها.