ظلت حضارة وادي درعة على امتداد عصور متتالية عنوانا حاضرا بين دفتي أمهات الكتب، وصفوة المجلدات المرجعية التي أرخت للحضارة المغربية المتميزة بزخمها الفريد، وروافدها المتعددة التي كانت ولا زالت سمة بارزة للمغرب منذ أن كان ينعت ب"بلاد الغرب الإسلامي". فقد كانت ورزازات، حاضرة منطقة درعة، منذ أقدم العصور محطة وملتقى للتواصل بين شمال إفريقيا، وما كان يعرف ب"بلاد السودان".فكانت القوافل التجارية تحط فيها الرحال ذهابا وإيابا من وإلى إفريقيا جنوب الصحراء.كما كانت هذه القوافل أيضا من بين الوسائل المسخرة لتنقل العلماء والمفكرين،وأداة لنشر الفكر والثقافة،والترويج للكتب والمؤلفات خاصة إبان فترة العصور الوسطى. وتنتصب خزانة المخطوطات التابعة للزاوية الناصرية بالجماعة القروية ل"تامكروت" في إقليم زاكورة شاهدا قويا على إسهام مثقفي وعلماء منطقة درعة في إثراء الخزانة المغربية بأصناف مختلفة من المؤلفات التي شملت ضروبا مختلفة من الفكر والآدب والعلوم. كما تحضر أسماء العديد من الأعلام المنحدرة من هذه المنطقة والتي كان لها دور رائد في مجال التأليف وخلق حركة فكرية مزدهرة خلال فترة العصور الوسطى. ومن ضمن الأسماء التي كان لها إسهام قوي في الحركة الفكرية والثقافة والعلمية في حوض درعة وقتئذ، هناك على سبيل المثال لا الحصر، العلامة الأديب والطبيب أبو العباس سيدي أحمد بن صالح الصالحي الإدريسي الكتاوي المتوفى سنة 1731 للميلاد، والذي عاصر فترة حكم السلطان مولاي إسماعيل، حيث خلف هذا القطب الذي أورد اسمه العديد من المستشرقين الغربيين أمثال الألماني بروكلمان، والفرنسي إلفي بروفينسال العديد من الكتب والمجلدات في الطب، والعلوم الشرعية، والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية وغيرها من ضروب الثقافة والمعرفة. وقد سار على نهج العلماء والمؤلفين القدامى المنحدرين من منطقة درعة، أحفادهم من الكتاب والمثقفين من أبناء الجيل المعاصر الذين انخرطوا في ديناميكية من التأليف تعكس ما تختزنه هذه المنطقة من ربوع المغرب من طاقات فكرية وثقافية خلاقة، بالرغم من بعد المنطقة من المراكز التقليدية للحركية الثقافة ، وبالرغم كذلك مما كانت تتطلبه عملية النشر والتوزيع من تضحيات مادية باهظة. وبإلقاء نظرة حول حركة الكتابة والتأليف في منطقة درعة في الظرف الراهن، نجد أن الكتاب المنحدرين من هذه الربوع قد طرقوا أبواب عدة في مجال التأليف المتداولة في الساحة الوطنية من ضمنها الشعر والرواية والتاريخ والرحلة، والكتب ذات الصبغة السياسية، وحتى الأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية. فإدريس الجرماطي مثلا يعد واحدا من كتاب الرواية والقصة القصيرة الذين أصبح لهم صيت تجاوز حدود الساحة الأدبية المغربية ليمتد نجو أفاق عربية، حيث كتب الناقد المصري المعروف إبراهيم محمد حمزة في حق هذا الأديب الذي صدرت له لحد الآن مجموعتان قصصيتان ورواية قائلا"إن القارئ لرواية "عيون الفجر الزرقاء" للجرماطي، لا يتوقع أن يصل بسهولة إلى مفاتيحها،إنما يعيش مع الكاتب متعة الحيرة والبحث عن اليقين المراوغ ،مثلما فعل يوسف إدريس يوما ما". وفي مجال التاريخ وأدب الرحلة وكتابة السيرة، هناك الكاتب والرحالة مولاي المهدي بن علي الصالحي الذي أمضى فترة زمنية غير قصيرة متنقلا بين واحات ومدن وقرى الجنوب المغربي وشرقه، ليجمع مادة تاريخية دسمة ضمنها في كتاب من 324 صفحة صدر له سنة 2008 تحت عنوان "الرحلة الدرعية الكبرى" . وقبل ذلك، صدر للكاتب نفسه عن مطبعة الأندلس مؤلف بعنوان "أعلام درعة" سنة 1974،أعقبه إصدار آخر سنة 1975 يحمل عنوان"رحلة السنوت إلى تيديلي و وادي تفنوت". ولا زال هذا الكاتب يواصل التنقيب والتحقيق في الموروث العلمي والثقافي الدرعي، حيث أصدر خلال السنة الجارية 2011 مؤلفين اثنين،أولهما يحمل عنوان"ثقافتنا الجنسية:الجماع" وهو عبارة عن الفرع الرابع من كتاب بعنوان"الدرر المحمولة في شرح الهدية المقبولة". أما المؤلف الثاني فيحمل عنوان"الهدية المقبولة في الطب"، وكلا هما مخطوطان من تأليف الجد السابع للكاتب مولاي المهدي الصالحي. وتأتي ضمن اهتمامات الكتاب المنحدرين من ورزازات، حاضرة حوض درعة، الكتابة ذات الصلة بالشأن السياسي والممارسة السياسية،حيث صدر في هذا الإطار للكاتب عبد الله أيت شعيب خلال السنة الجارية كتاب تطرق فيه للوحدة الترابية للمملكة بعنوان" المغرب في مواجهة مشاريع التجزئة ونزعات الانفصال". وسبق أن صدر قبل ذلك للنفس الكاتب آخر بعنوان"المشاركة السياسية وتحديات الواقع،من خلال تجربة نائب برلماني"، وهو عبارة عن مؤلف يوثق للعمل البرلماني في المغرب الذي يحظي منذ فترة باهتمام أنتج إصدارات عدة ساهم فيها برلمانيون، وأخصائيون في مجال العلوم القانونية. وللأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية مكانته ضمن اهتمامات الكتاب المنحدرين من حوض درعة،حيث صدرت خلال السنة الماضية للكاتب المغربي المقيم في فرنسا عن دار النشر الفرنسية الشهيرة"لامرتان" رواية بعنوان"أسير مبروكة"(لوكابتيف دو مبروكة)،وهي الرواية التي تستلهم وقائعها من مسقط رأس الكاتب في مدينة ورزازات حيث كان يتعايش المسلمون والمسيحيون واليهود. وسبق للكاتب نفسه،الذي هو أستاذ باحث في علم الاجتماع والأنتربولوجيا يهتم بقضايا الهوية والعلاقات بين الأشخاص الحاملين لثقافات مختلفة، أن أصدر قبل سنتين رواية أخرى باللغة الفرنسية تحمل عنوان"لم تبق للشاي نفس النكهة"(لوتي نابلي لاميم سافوغ). ويزخر مجال الشعر في منطقة ورزازات بطاقات إبداعية كثيرة،منها من أسعفه الحظ في تحدى تكاليف الطبع وأصدر باكورة أعماله أمثال الشاعر رضوان الرقبي الذي صدرت له مؤخرا مجموعة شعرية بعنوان" بذور فوق الجمر". ومن هذه الطاقات أيضا من راكم إنتاجا شعريا ذا قيمة إبداعية حقيقية كما ونوعا، ولم تسعفه الظروف المادية لإخراجه للقراء، كما هو الشأن بالنسبة للشاعر عبد الحكيم أيت تاكنيوين.