بحث مؤرخون وعلماء آثار مؤخرا بمدينة القصر الصغير، تاريخ الموقع الأثري (القصر الصغير) الممتد لأزيد من 2500 سنة من التبادل الحضاري عبر البحر الأبيض المتوسط. وسعت الندوة، التي نظمتها أول أمس السبت مديرية التراث الثقافي بوزارة الثقافة بتعاون مع محافظة موقع القصر الصغير، إلى التعريف بهذا الموقع في أفق افتتاحه بشكل رسمي أمام السياحة الثقافية، وتحسيس المتدخلين في تدبير الشأن المحلي والوطني بأهمية الموقع من حيث رمزيته التاريخية وخصوصياته المعمارية والهندسية وإطلالته على مضيق جبل طارق الذي لعب دورا استراتيجيا في البحر الأبيض المتوسط. وتطرق عضو أكاديمية المملكة المغربية الأستاذ عبد الهادي التازي، في كلمة خلال الندوة، إلى تاريخ هذا الثغر الذي كان له دور هام منذ أن نزل به الفينيقيون ثم الرومان الذين تركوا بصماتهم عليه، إلى أن عاد للمغاربة الذي جعلوا منه بوابة الاتصال بالعالم الخارجي. وأكد الأستاذ التازي، بناء على مخطوطات قديمة، أن مدينة القصر الصغير، والتي تسمى أيضا قصر المجاز، كانت تتوفر على دار لبناء السفن، ثم شكلت خلال عهدي المرابطين والموحدين ملتقى للعلماء والشعراء ورجال الدولة أثناء السفر بين المغرب والأندلس. واعتبر الأستاذ التازي أنه "لا يمكن لمؤرخ يهتم بصلات إفريقيا مع العالم الخارجي أن يدون تاريخه دون أن يجد نفسه يتقاطع مع تاريخ القصر الصغير الذي كان يتوفر على قواعد بحرية كبرى"، مبرزا أن الموقع شهد فترات استعمار حتى وقف المولى إسماعيل مؤسس الدولة العلوية على طرد قوات بريطانيا العظمى سنة 1683 عن المنطقة التي كانت تتخذها قاعدة لإحكام السيطرة على ضفتي مضيق البوغاز. من جانبه، اعتبر محافظ الموقع السيد عبد اللطيف البودجاي أن الندوة مكنت من التأكيد على البعد التاريخي لمنطقة لقصر الصغير باعتبارها كان صلة الوصل بين المغرب وأوروبا عبر مضيق جبل طارق، والدعوة إلى الاهتمام بالجانب الثقافي وتكثيف الأبحاث بمنطقة قبيلة أنجرة التي تحضن الموقع، وبذل مزيد من المجهودات من أجل حماية الموقع ورد الاعتبار له لكونه سيشكل رافدا ثقافيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة. وكانت الندوة مناسبة من أجل استعراض مجموعة من نماذج رد الاعتبار لمواقع أثرية من الجارتين إسبانيا والبرتغال، بالإضافة إلى تقديم عروض مستفيضة حول مواقع وليلي وتمودا والقصر الصغير كمواقع مهيأة لإدماجها في التنمية المحلية.