(من مبعوثي الوكالة) فتحت رياضات فاس ودورها العتيقة أفنيتها أمام عشاق الأماسي الصوفية التي تتوج نهارات مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، في إطار فقرة"المهرجان داخل المدينة"، وذلك بعد أن أغلقت أبواب فضاء "باب الماكينة" ليومين، فاسحة المجال لإيقاعات رفرفة أجنحة "طيور المكان"، ولقطرات المطر التي تتهاطل على فاس. وتجمع هذه الفقرة من المهرجان، الذي يتواصل إلى غاية ال`12 من الشهر الجاري تحت شعار "حكم الكون"، بين التقاليد الموسيقية العريقة والموسيقى الروحية والموسيقى العالمية، وذلك في أجواء حميمية مفعمة بالروحانية. وكانت بداية هذا السفر الموسيقي والروحي في قلب رياضات فاس، مساء أمس الاثنين، من دار المقري مع خيسوس كوراتشو من بلاد الأندلس (إسبانيا)، الذي يجيد نقل المشاعر الكامنة في فن "الدويندي"، الذي يمثل بالنسبة للفلامنكو ما يمثله فن الطرب بالنسبة للموسيقى العربية. وبدار التازي استمتع الحضور بأشعار جلال الدين الرومي مع الإيراني صلار أغيلي، الذي أبرز بأدائه ما تختزنه الموسيقى الفارسية وأشعار هذا الصوفي من مجالات الإدراك. ومن صعيد مصر جاء الشيخ طه الذي أتحف ضيوف الدار بأناشيد صوفية من الأقصر ، ملهبا المشاعر، بصوت نابع من أقاصي مصر، ناقلا الأحاسيس الخاصة من خلال البحث عن "سلطانة" الحب الصوفي. وشكلت دار عديل محطة إفريقية في هذه الأماسي الصوفية والروحية مع أليمو أغا من إثيوبيا وغنائه العريق ومعزوفاته على رباب بيغينا، الذي تذكر نوتاته الشفيفة المواكبة لتراتيل أليمو أغا بمزامير الملك داوود، وهي تراتيل تأملية وعلاجية في نفس الآن، ممهورة بالعراقة ، باثة بذلك السكينة في النفوس. ويقدم مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة مساء اليوم الثلاثاء بدار المقري في إطار هذا السفر الروحي في قلب رياضات فاس، أمسية أندلسية من تطوان مع محمد أمين الأكرمي وجوقه، الذي استطاع تطوير طابع الإتقان والتعقد الذي يتسم به طرب الآلة ، وأن يطعم فنه بتراتيل المديح والسماع على يد أساتذة كبار أمثال العربي التمسماني وعبد الصادق شقارة. وبالفضاء نفسه يحيي كذلك نهال تجدد (إيران) وجان كلود كاريير (فرنسا) من خلال "منطق الطير" لفريد الدين العطار الحكاية الصوفية التي يتحدث فيها جلال الدين الرومي عن مجموعة من الطيور اجتمعت ذات يوم لتقر بحاجتها إلى ملك، والانطلاق في البحث عن الطائر الملك/السيمورغ، رمز الإله في التقاليد الصوفية الفارسية. وبدار عديل يلتقي جمهور المهرجان بمجموعة الوجد (المغرب وسوريا) المكونة من الفنانة المغربية نزيهة مفتاح التي تعكس بغنائها وصوتها الدافئ والشفاف، بساطة الشعر الأندلسي ورهافته. وستؤدي هذه (المجموعة) أغان مستوحاة من أناشيد الوجدان العربية الأندلسية. وفي نفس السياق يحتضن متحف البطحاء بالإضافة إلى فعاليات "منتدى فاس"، لقاءات فنية مع عروض سينمائية بمصاحبة مجموعات فنية عالمية ولوحات موسيقية عريقة من البيرو وأفغانستان وفرنسا وإيطاليا والسينغال وباكستان بالإضافة إلى المغرب. ويلامس خيط الإبداع والتجديد الذي يمر عبر برنامج مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، الذي يطفئ هذه السنة شمعته ال17، أيضا، التشكيل بكل تلاوينه من خلال معارض فنية من تنسيق حكيمة اللبار، منها معرض "باغي نفهم بلا ما نتفاهم" حول حكمة الأمثال الشعبية من خلال إبداعات حوالي 20 فنانا وفنانة بتعاون مع الفنان الكبير الطيب لعلج.