أضحى مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، وبعد 17 سنة، موعدا قارا للبحث في الروحي والمقدس، وإبراز دورهما في تربية الإنسان والوجدان، وفي تطوير المجتمع وترسيخ القيم، وتحفيز المفكرين والفنانين من كل أصقاع العالم على الخوض في هذا المجال، وبالتالي تبويئ الفن الروحي المكانة اللائقة به. لا غرو أن يفتتح هذا الحدث العالمي، هذا العام، بأورتوريو وهو عمل تركيبي يجسد روح مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، من خلال تناوله موضوعا واحدا يتطرق لمفاهيم صوفية عدة كحب المجنون لليلي الذي يدل على محبة إلاهية ورمزية استعملت في الشعر الصوفي في مختلف الثقافات كالفارسية والتركية والأسيوية والأوروبية. وقد صيغت هذه الأحداث، كما قال السيد فوزي الصقلي، المدير العام للمهرجان، في حوار خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، في قوالب أدبية مختلفة تم تجميعها ووضعها في قصة ونضم وتأليف موسيقي موحد، مشيرا إلى أن ذلك يجسد روح مهرجان فاس الذي يحاول الحفاظ على خصوصية كل ثقافة في حكي مشترك. وهذا البحث عن السمو إلى المطلق والبحث عن معنى الإلاهية في الكون، نجده مفصل في برنامج المهرجان، المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، في شكل عروض ترتكز على أدوات وتعبيرات تقليدية تحيل على حضارات ضاربة في القدم وثقافات وإحساسات جماعية لها عمق روحاني. وفضلا عن ذلك، يقول السيد الصقلي، يستضيف المهرجان كوكبة من الفنانين المرموقين لهم اهتمام بكل ما هو روحاني ومقدس، والذين سيقدمون بالمناسبة ريبتوارات خاصة، قادمين من الشرق والغرب، جاعلين من "روح فاس" علامة مميزة تمتد آثراها وإشعاعها إلى كل بقاع العالم. ومن بين محطات هذه التظاهرة، حسب مديرها العام، فقرة المهرجان داخل المدينة الذي يجمع بين التقاليد الموسيقية العريقة والموسيقى الروحية والموسيقى العالمية، ويقدم عروضا مجانية لساكنة فاس ولزوارها من المغاربة والأجانب، في مختلف الساحات الشعبية الواقعة داخل المدينة القديمة وبشكل يومي. ومهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة محاولة للاسهام في البحث عن موارد الحكمة في هذا العصر، وهو الموضوع الذي اختاره منتدى المهرجان، إن كان ذلك في الحكم القديمة في الشرق أو الغرب، وبالتالي محاولة الإتيان بأفكار جديدة تساعد في فهم وتحليل المشاكل التي تعيشها الإنسانية التي قد تنفلت زمام الأمور من يدها. لقد أضحى المنتدى "منتجعا روحانيا" ومقاما لتأمل العالم في حركيته المتسارعة، بغية إمداده بإضاءات جديدة منبثقة من صلب الثقافة والحكمة، وأيضا، بالمزيد من الرصانة والتفهم، فيما باتت "روح فاس" ي الأخرى قادرة على فتح آفاق أخرى للممكن، وللخلق وللإبداع والتمرس. وخلص السيد الصقلي إلى أن الحضارات، ومن خلال التجارب التي راكمتها على مر العصور، في بحث مستمر عن الحكمة، بغية إيجاد الحلول الملائمة للمشاكل التي باتت تؤرق عالم اليوم، وهذا ما حاول شعار المهرجان "حكم الكون" تجسيده، ومن خلاله الدعوة إلى ترسيخ قيم وسلوكات ومقاصد الحكمة. يشار إلى أن فعاليات الدورة السابعة عشرة لمهرجان فاس تتواصل إلى غاية 12 من الشهر الجاري بمشاركة فنانين كبار معاصرين من مختلف أسقاع العالم، يجيدون صياغة تصورهم الخاص للمقدس، وذلك بعدد من فضاءات المدينة ضمنها باب المكينة وتحف البطحاء وباب بوجلود وفي مجموعة من رياضات فاس، إلى جانب منتدى فاس الذي سيقام ما بين الرابع والثامن من يونيو الجاري حول موضوع "إضفاء الروح على العولمة".