أكد الخبير القانوني المغربي عبد الفضيل اكنيديل أن " مؤسسة الحكم الذاتي تعد من أهم الاشكال التي برهنت على قدرتها في حل مشاكل تقرير المصير، وإيجاد تناسق بينه وبين السيادة والوحدة الترابية". وأوضح عبد الفضيل اكنيديل المقيم بألمانيا في مؤلّفه الجديد حول قضية الصحراء المغربية تحت عنوان "الحكم الذاتي المبادرة المغربية بشأن الصحراء كتعبير عن تقرير المصير" أنه "مادام تقرير المصير لا يتضمّن بالضرورة الحق في تأسيس دولة ، فإن الباب مفتوح على أشكال أخرى تسمح ببقاء الشعوب داخل دولها وتضمن لها احترام حقوقها"، مبرزا أن "مؤسسة الحكم الذاتي تعد أحد أهم هذه الأشكال". وأكد في هذا السياق أن التطورات التي عرفها العالم منذ انهيار المعسكر الشرقي أفرزت مناخا سياسيا جديدا جعل تقرير المصير بمفهومه الخارجي متجاوزا، لصالح التركيز على جانبه الداخلي من خلال إقامة بنيات ديمقراطية داخلية، معتبرا أن الدستور الديمقراطي وحده الكفيل بحماية تقرير مصير مواطني الدولة في سياق يوازن بين حقوق كافة المجموعات المكونّة للشعب والوحدة الترابية. واستدل عبد الفضيل اكنديل على وجاهة هذا الطرح بالخلاصات التي انتهى إليها بحث أنجزته البروفيسور (باربارا .ف. وولتر أستاذة العلوم السياسية بمعهد العلاقات الدولية والدراسات السلمية ، بجامعة كاليفورنيا، سان دييغو) والتي أكدت " أن هذا التصور أثر إيجابيا في حل العديد من النزاعات، فمن جملة 60 حالة كانت تطالب بتقرير المصير،وجدت 63 بالمائة حلا بحكم ذاتي ، و30 بالمائة بإصلاحات ديمقراطية داخلية . وأبرز عبد الفضيل اكنيديل في هذا السياق، أن " تجارب الدول الاسكندنافية وإسبانيا والبرتغال وبلجيكا وإيطاليا والمجر والصين وروسيا وأوكرانيا ومولدافيا والفلبين وغيرها من الدول التي طبقت نظام الحكم الذاتي، أبانت عن تغيير في الاتجاه الدولي المرتبط بمبدأ الحكم الذاتي، وعن نجاح هذا المبدأ في الوقاية من الصراعات الداخلية، وفي إقرار السلام وضمان حقوق المجموعات الشعبية المتمتعة به". ويرى الخبير القانوني بأن مبادرة الحكم الذاتي الموسع بشأن الصحراء ، " انطلقت في إطار هذه التطورات التي عرفها العالم، والفهم الجديد لتقرير المصير في جانبه الديمقراطي الداخلي"، مؤكدا أن "سكان مخيمات تيندوف محتجزون وليسوا لاجئين لأن مصطلح لاجئ طرح أول الأمر من طرف الدول الغربية ليقصد به كل من يفرّ من المعسكر الشرقي ويلجأ إلى دولة غربية، أي كل من يفرّ من الاستبداد ويلتحق بالديمقراطية وتكون عودته حتما إلى بلده مقرونة بمخاطر الزج به في السجن أو القتل". وشدد الخبير اكنيديل على أن هذا الأمر لا ينطبق على المحتجزين بتيندوف "كما تأكّد من خلال عودة الآلاف الذين يعيشون بكامل الطمأنينة داخل المغرب"، موضحا بأن " تقرير المصير لم يعد ينظر إليه من جانبه الخارجي ، وإنما من جانبه الداخلي الذي يشجّع على الجهوية والنظام الوحدوي وحماية حقوق الإنسان في ظل دولة القانون، لا على سقوط المجتمع الداخلي". واعتبر أن "الترابط الداخلي للمجتمع يقوم على إرادة سياسية تستند إلى مبدأ الديمقراطية كنظام للدولة، في ظلها يمكن ضمان حقوق كافة شرائح الشعب، وتلبية مطالبها، سواء أكانت مطالب تتعلّق بثقافتها أو بالحفاظ على خصوصياتها". وفي هذا الصدد يرى عبد الفضيل اكنيديل أن "استشارة السكان ليس الخيار الوحيد في تطبيق تقرير المصير، إذ أبان التطبيق الدولي أن عدة حالات تم فيها تطبيق تقرير المصير دون العودة إلى رأي السكان. وقال إن " الاستشارة لا وجوب لها في حالتين حسب المحكمة الدولية، وهي كون السكان لا يشكّلون شعبا، أو بسبب ظروف خاصة. وفي حالة الصحراء المغربية، فإننا نجد السببين معا " مشيرا الى أن "المبادرة المغربية تتجاوز في مضمونها التجارب السارية في الدول الأخرى بكونها شمولية، حيث تركت لجهة الحكم الذاتي السلطة القضائية على عكس جزر آلاند في فينلاندا، التي وإن كانت تتمتع بحكم ذاتي موسع منذ سنة 1920 ، فإنها لا تتوفر على محاكم خاصة بها". وبخصوص العلاقات الخارجية أكد المؤلف أن المشروع المغربي "يسمح لجهة الحكم الذاتي بعقد اتفاقيات تعاون اقتصادية وثقافية بالتشاور مع السلطات المركزية على عكس ألمانيا التي تشترط موافقة السلطات الفيدرالية". ويلاحظ الدكتور اكنيديل بأن " عددا من الأقاليم التي تمارس الحكم الذاتي لا تستفيد من اختصاصات إدارة الشرطة المحلية ، على عكس المشروع المغربي وأقاليم الباسك وكاتالونيا". ولعل ما يؤكد نجاح الحكم الذاتي ،برأي المؤلف، أنه "ليس هناك من دولة أوروبية ترغب في رفع نظام الحكم الذاتي، بل على العكس ، فإن توسيع حجمه واختصاصاته ، وتثبيت دعائمه هي الميزات التي نراها في السنين الأخيرة". تجدر الاشارة الى أن مؤلف"الحكم الذاتي المبادرة المغربية بشأن الصحراء كتعبير عن تقرير المصير" الذي يقع في 132 صفحة، صدر عن مطبعة الرسالة وقدم له الأستاذ النقيب محمد الخليفة. وسبق للخبير لعبد الفضيل اكنيديل، أن ألّف كتابا حول الصحراء المغربية ترجم من اللغة الألمانية إلى العربية سنة 2006 تحت عنوان "الأوجه القانونية الدولية للصحراء المغربية".