12-2009 لم تعد التنمية الخضراء مجرد خيار ضمن الخيارات المتاحة أمام الدول، بل أضحت حاجة ملحة لتنشيط الاقتصاد وخلق نموذج للتنمية البديلة يساهم في تحقيق تقدم ورفاهية الدول. ويؤكد الخبراء أن آثار التغيرات المناخية ستنعكس سلبا على النمو الاقتصادي والتنمية والأمن في جميع بلدان العالم. وينبغي، بالتالي، اعتبارها أولوية استراتيجية على أعلى المستويات السياسية. ومع ذلك، فمن الضروري معالجة إشكالية التنمية الخضراء من منظور أوسع يشمل، بطريقة متوازنة، إضافة إلى الأبعاد البيئية والاقتصادية، البعد الاجتماعي. فالأمر يتعلق، حسب خبراء، بتلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها. ومن شأن اعتماد التنمية المستدامة أن يتيح فرصا فريدة للبشرية على المستوى الاقتصادي، لإيجاد أسواق وفرص عمل، وعلى المستوى الاجتماعي، لمحاربة التهميش، وعلى المستوى السياسي، لتخفيف حدة الضغط على الموارد الذي قد يولد العنف، وكذا على المستوى البيئي، لحماية النظم البيئية والموارد الحيوية، وفق ما أكده الأمين العام السابق للامم المتحدة كوفي عنان. + تحرك دولي عاجل + ويرى أر.كي. باشوري الحائز على جائزة نوبل للسلام ورئيس فريق الخبراء الدوليين المعني بتغير المناخ، أن تحركا دوليا أضحى ملحا وضروريا في الظرف الراهن لمواجهة التغيرات المناخية، وقال في هذا الصدد "لا يمكننا أن نتسامح مع اي نقاش بشأن الحاجة إلى التحرك". وينبغي من الآن سلك مسار اقتصادي يمهد الطريق "للسبل الأكثر نظافة" بهدف الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. والواقع أنه نظرا للأزمة الحالية التي لم يتم بعد التحكم تماما في نتائجها النهائية، فإن خطط الإقلاع الاقتصادي الرامية إلى إعطاء دفعة جديدة للاقتصادات الوطنية، قد تفتح الطريق أمام تنمية جديدة خضراء غير مسببة في انبعاث غازات الكاربون، إذا ما نفذت هذه الخطط والبرامج بشكل دقيق. ويرى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ونائب الرئيس الامريكي الأسبق آل غور، أن خطط الاقلاع الاقتصادي التي أعلنتها بالفعل 34 دولة، والتي تكلف حوالي 2250 مليار دولار، على أن تستكمل بمبادرات جديدة من بلدان أخرى، ينبغي أن تساعد على إعطاء دفعة للاقتصاد العالمي، لكن شريطة تفادي دعم الصناعات الآيلة للإندثار والأساليب العتيقة للانتاج والعادات السيئة للاستهلاك. وحسب بان كي مون وآل غور، فإن مواصلة ضخ آلاف المليارات من الدولارات كاستثمارات في البنية الأساسية التي تقوم على الكربون، ودعم الصناعات التي تعتمد على الوقود الاحفوري، يعني اقتراف الخطإ ذاته كما هو الحال مع الرهون العقارية عالية المخاطر. وهكذا ينبغي تغيير السياسات العمومية الحالية أو المستقبلية الخاصة بالاقلاع الاقتصادي، على مستوى المقاربة من خلال العمل والاستثمار في الطاقات المتجددة والنقل العمومي، والشبكات الجديدة لتوزيع الماء والكهرباء وغرس الأشجار، وكذا تنسيق الجهود بين الحكومات للحصول على نتائج سريعة. وتعد التنمية الخضراء قطاع المستقبل بامتياز، فمجال الطاقات المتجددة يشغل لوحده 3ر2 مليون عامل حول العالم، وهو ما يعني أكثر من مناصب الشغل المباشرة في قطاع النفط والغاز. وفي الولاياتالمتحدة، يحتضن قطاع الطاقة الريحية حاليا يد عاملة أكثر من قطاع الفحم برمته. ومن شأن إلغاء 300 مليار دولار من الدعم المقدم سنويا للقطاعات التي تعتمد على الوقود الأحفوري، أن يقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة إلى 6 في المائة، والمساهمة في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي. + اتفاق أخضر جديد + ولأسباب أخلاقية وإنسانية، فإن الآثار السلبية الوخيمة للتغيرات المناخية على البلدان الفقيرة والنامية، تطرح تحديات جسام على المجتمع الدولي لإعلان تضامنه مع المناطق المتضررة والضعيفة. واليوم أضحت السياسات الموجهة "لفائدة الفقراء" مرغوب فيها أكثر من أي وقت مضى. ويرى جومو كوامي ساندارام، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالتنمية الاقتصادية، أن الدول الغنية لم ترق، حتى الآن إلى مستوى الالتزامات التي قطعتها على عاتقها في كيوتو وبالي وفي أماكن أخرى. فالأهداف المحددة والموارد المخصصة لتخفيف حدة التغيرات المناخية، تكاد لا تذكر. وللنجاح في هذه المهمة، يقول كوامي ساندارام، ينبغي إبرام "اتفاق أخضر جديد" يشمل التحديات العديدة التي تواجه العالم النامي، الذي يعاني أكثر من غيره من آثار التغيرات المناخية، وحيث النمو السريع يتطلب استعمال الطاقة الرخيصة على نطاق أوسع. ويتم على الصعيد العالمي استهلاك أكثر من 30 مليون طن من النفط يوميا على شكل طاقة أولية، وهو ما يعادل 55 كيلو واط في الساعة للفرد. أما البلدان الغنية، فتستهلك في المتوسط أكثر من الضعف، في حين أن نسبة الاستهلاك في العديد من البلدان النامية، لا تتجاوز 20 كيلو واط في الساعة. واستنتج كوامي ساندارام أنه يتعين على حكومات البلدان الغنية دعم هذا الإتجاه نحو الطاقة النظيفة في العالم النامي، لأن "تحقيق رخائها الاقتصادي بالإعتماد على الكربون، هو ما أدى بنا إلى حافة الكارثة المناخية". وهكذا يتعين على حكومات البلدان الصناعية، أن تنظر ابعد من حدودها، والاستثمار فورا في المجال الاجتماعي وفي برامج تزيد في إنتاجية البلدان الأشد فقرا ، وبالتالي تفادي حدوث مزيد من المعاناة. وإدراكا منهم لخطورة هذه الوضعة، يلتقي نحو 100 رئيس دولة وحكومة في قمة المناخ بكوبنهاغن، لجعل هذا الاجتماع الدولي نقطة انطلاق حقيقية لاقلاع اقتصادي مستدام، يعود بالنفع على أجيال الحاضر والمستقبل.