في الوقت الذي يواصل الوزير الأول التونسي المعين باجي قائد السبسي مشاوراته من أجل تشكيل حكومة انتقالية تحظى بتوافق الفاعلين السياسيين وتجاوز الأزمة السياسية الناجمة عن الاستقالة المفاجئة للوزير الأول السابق محمد الغنوشي، حذرت بعض الشخصيات السياسية من حصول فراغ سياسي في البلاد قد تملِه المؤسسة العسكرية. وفي هذا السياق ينتظر أن يعلن ، اليوم الأربعاء ، الباجي قائد السبسي عن جملة من الإجراءات السياسية الخاصة بتأمين المرحلة الانتقالية في البلاد، في مقدمتها تشكيل "هيئة عليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي" وانتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد. وقد واصل السبسي ، منذ تعيينه يوم الأحد الماضي خلفا للغنوشي ، مشاورات مع مختلف الفرقاء السياسيين وممثلي منظمات المجتمع المدني للاتفاق على تدبير الفترة الانتقالية وصولا إلى تنظيم انتخابات جديدة من المقرر أن تجري قبل منتصف يوليوز القادم. وفي هذا الصدد، اجتمع أمس مع عبد السلام جراء الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، وهي المركزية النقابية القوية التي لعبت دورا حاسما في الأحداث الأخيرة وكذا في التطورات السياسية التي أعقبتها. وأعلن مساعد الأمين العام للاتحاد عبيد البريكي أن الاجتماع تناول تصور المركزية النقابية لشروط تحقيق الانتقال الديمقراطي، من خلال وضع ما وصفه ب"خارطة طريق" تتضمن على الخصوص ، الإعلان عن مجلس لحماية الثورة يضم ممثلي مختلف الحساسيات السياسية والاجتماعية ويضطلع بدور استشاري ومراقبة أعمال الحكومة الانتقالية وانتخاب جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد وإعادة تشكيل لجان الإصلاح السياسي والتحقيق في الأحداث الأخيرة وفي قضايا الرشوة والفساد في العهد السابق. في غضون ذلك، ذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن رئيس الجمهورية المؤقت فؤاد المبزع سيوجه ، غدا الخميس ، كلمة إلى الشعب، دون الإشارة إلى مضمون هذه الكلمة . وكان المبزع قد أعلن يوم الأحد الماضي لدى تعيينه الوزير الأول الجديد، أنه سيكشف خلال هذا الأسبوع عن خطة عمل للمرحلة المقبلة. في غضون ذلك، توالت الاستقالات من الحكومة المؤقتة ، حيث بلغ حتى الآن عدد المستقلين سبع وزراء، مما زاد من تعميق الأزمة السياسية في البلاد، في وقت تتواصل الاعتصامات أمام مقر الحكومة وسط العاصمة للمطالبة باستقالة كافة أعضاء الحكومة وحل البرلمان وتجميد العمل بالدستور وانتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد. (يتبع) ومن بين الوزراء الذين استقالوا ، أمس ، أحمد نجيب الشابي وزير التنمية الجهوية وأحمد ابراهيم وزير التعليم العالي، وهما زعيمان في حزبين يساريين محسوبين على ما كان يوصف بالمعارضة الراديكالية في العهد السابق. وعلل أحمد إبراهيم استقالته ب"الحرص على مصلحة البلاد"، مشيرا إلى أنه اتخذ قراره بعد مشاورات مع رئيس الوزراء وايمانا منه بأنه يمكن أن يلعب "دورا فاعلا ضمن صفوف المعارضة". فيما أرجع الشابي سبب استقالته إلى "التردد والغموض الذي طبع عمل حكومة"، وكذا لقرار الوزير الأول الجديد منع أعضاء الحكومة من خوض الانتخابات القادمة. وأشار أيضا إلى أن السبسي أطلعه بأن رئيس الجمهورية المؤقت "لن يمدد ولايته"، التي تنتهي دستوريا، في منتصف مارس الجاري ، محذرا في هذا الصدد ،من مخاطر "فراغ دستوري" في البلاد قد "تملؤه" المؤسسة العسكرية ،كما حصل في مصر. وقال الشابي كذلك في تصريحات له بعد الإعلان عن استقالته، أن الوزير الأول الجديد أبلغه أن الحكومة قررت عدم إجراء انتخابات رئاسية، وأنها ستشكل مجلسا تأسيسيا لوضع دستور جديد، كما تطالب بذلك المعارضة. يذكر أن أن المجلس التأسيسي شكل إحدى المطالب الأساسية التي تقدم مجلس حماية الثورة، الذي شكل مؤخرا ويضم ممثلي نحو 15 هيئة سياسية بالإضافة إلى الاتحاد العام للشغل وعدد من منظمات المجتمع المدني. وكان وزير الاقتصاد والتعاون الدولي محمد النوري الجويني ووزير الصناعة والتكنولوجيا محمد عفيف شلبي، اللذان كانا ضمن أعضاء آخر حكومة في عهد الرئيس المخلوع، قد قدما قبل ذلك استقالتهما من الحكومة المؤقتة. وقال شلبي في بيان وزعه على الصحافة إن الحكومة المؤقتة التي سيرأسها الباجي قائد السبسي "تمثل طوق النجاة الأخير لإنقاذ البلاد من الفوضى وتحقيق الأهداف التي قامت من اجلها الثورة". كما شدد شلبي على ضرورة أن تكون هذه الحكومة "محل وفاق وطني وتحظى بدعم أكبر عدد من ممثلي المجتمع المدني، مع تجاوز كل الخلافات القائمة بسبب الأشخاص خدمة للمصلحة العليا لتونس". وعلى الصعيد الأمني، بدأ الوضع يستعيد هدوءا نسبيا في العاصمة التونسية والمناطق الأخرى، بعد أسبوع من الأحداث الدامية وأعمال التخريب والحرق، طالت العديد من المرافق والمنشآت والأملاك العامة والخاصة وسقوط العديد من الضحايا بين قتيل وجريح، من بينهم 5 قتلى في العاصمة.