كانت موسيقى صاغرو باند تصدح في فضاء قاعة المركز الثقافي لأكدال في تلك الأمسية الوديعة، وصور امبارك أولعربي تظهر على الشاشة المقابلة بينما الجمهور يتوافد مثنى وثلاث ليلتحق بالكراسي المخصصة له، للاحتفاء بروح هذا الفنان الموسيقي في أمسية جمعت بين الشعر والموسيقى. كان الشاعر الأمازيغي عمر الطاوس هو أول من صعد إلى المنصة في هذا الحفل الذي نظمه، مؤخرا، فرع الرباط لاتحاد كتاب المغرب، ليقدم شهادة في حق صديقه ورفيق دربه امبارك أولعربي، الذي لم يكن فقط موسيقيا بل فنانا تشكيليا خلف العديد من اللوحات التي تنتظر من يفك عزلتها، ولم يمهله الموت لإنهاء مشاريعه الموسيقية والتشكيلية فغادر هذا العالم يوم تاسع يناير الماضي عن سن لم تتجاوز الثامنة والعشرين. وخلف امبارك أولعربي وراءه مجموعة موسيقية أسسها عام 2006 التي تمكنت، رغم حداثة سنها، من إصدار خمسة ألبومات بموسيقى جديدة وظف فيها إيقاعات غربية بلغة أمازيغية ومضمون يستنكر التهميش والفقر ويسخر من بعض الأوضاع السياسية. وبعد أن ذكر عمر الطاوس بانتماء امبارك المعروف ب"نبا" إلى عائلة مجاهدة حاربت الاستعمار في جبال صاغرو، مما حدا به إلى تسمية الفرقة ب"صاغرو باند"، أشار إلى أن والد هذا الأخير والمدعو "بابا علي" قال له ذات يوم "لقد قاتلنا الفرنسيين في جبل صاغرو، وابني قاتل الفقر والجهل واللامبالاة في هذه البلاد التي تزخر بالرجولة والكرم والجمال". وقرأ هذا الشاعر الأمازيغي ، الذي أصدر ديوانين شعريين وحصل على جائزة الشعر للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، قصيدة مؤثرة كتبها عن "نبا" بعد وفاته، تحمل عنوان "نجم صاغرو"، ورغم عدم تمكن كل الحاضرين من أمازيغية الجنوب الشرقي للمغرب (نواحي الراشيدية)، فقد تأثر الجميع خاصة بعد أن تهدج صوت الشاعر وظهر بريق دمع في عينيه، وكانت لحظات الصمت التي يقطع بها القصيدة بين الفينة والأخرى، قوية الدلالة. بعد ذلك تم عرض أغنية للمغني والموسيقي الأمازيغي، صديق "نبا"، موحى ملال، وكانت مؤثرة جدا، خاصة وأنها جاءت على شكل فيديو كليب يظهر فيه الفقيد في مختلف أوضاعه، منفجرا بالضحك كعادته أو في حالة من التأمل الفني الراقي، يداعب أوتار قيثارته أو يعزف على الناي أو الهارمونيكا أو يداعب ريشته ويلقي بالألوان على القماش مع حرصه الشديد على تبليغ رسالة تزاوج بين جمالية الشكل والمضمون. بعدها حمل الشاعران الجزائري بوزيد حرز الله الذي صدر له أكثر من ثمانية دواوين شعرية، والبحريني علي الجلاوي الذي صدرت له ست مجموعات شعرية، الجمهور إلى عوالم الحياة والحب تماما كما حملاه إلى عوالم الحزن والموت. وقال عمر الطاوس في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء "لقد شعرت بأننا فقدنا امبارك أولعربي ، لذا عملت على إعادة إحيائه. فبعد أن ذهبت الكينونة الجسدية أردت إعادة إحياء الكينونة الروحية، لأن فكره يستحق الحياة والخلود، كما أن رسالته هي رسالتنا جميعا. كما أردت إبراز إنسانيته، فهو يحب جميع الشعوب ويعتبرها جنسيته". للإشارة، فعمر الطاوس كتب عددا من الكلمات التي غنتها المجموعة الموسيقية الأمازيغية "صاغرو باند". ثم عادت موسيقى هذه المجموعة تصدح في أجواء القاعة، والجمهور يهم بمغادرتها إلى وجهات هو وحده يعرفها.