قال الناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس إن الانطباع الأول الذي يخرج به المراقب "الأجنبي" بعد متابعته القسم الأكبر من الأفلام المغربية المعروضة ضمن إطار المهرجان الوطني للفيلم في طنجة، هو أن "السينما في المغرب وصلت، أخيرا، إلى سن الرشد". وأضاف العريس ، في مقال نشرته اليوم الجمعة جريدة (الحياة) اللندنية في طبعتها اللبنانية، أن الوصول إلى هذه السن لا يعني بالتأكيد حكماً قيميا، بل استخلاصا لوضعية تنتقل فيها هذه السينما من الهواية بغثها وسمينها إلى "الاحتراف" بغثه وسمينه. ورأى أن ظهور فيلم مغربي جديد، "لم يعد اليوم حدثا يجب التعامل معه برفق ورعاية، بل صار جزءا من واقع ثقافي إبداعي - صناعي، ينقسم الإنتاج فيه إلى أعمال ستعيش وتشكل جزءاً من تاريخ ما، وأعمال ستنسى فور ظهورها، وبينهما أعمال ستلقى إقبالا من الجمهور العريض مهما بالغ النقاد في شتمها والتساؤل عما جاءت تفعله وسط إنتاج يعتبر نفسه وريثا لممارسة سينمائية جدية". وهي ممارسة ، يقول العريس ، حاولت جهدها طوال أكثر من نصف قرن أن تقول بصدق ما تريد قوله من دون أن تجد نفسها مجبرة على تقديم تنازلات ل`"جمهور" لم يكن له وجود أصلا. ثم حين وجد هذا الجمهور بوفرة متفاعلا مع إنتاجه السينمائي "الوطني"، حقق نجاحا لأفلام لا يمكن القول إنها حملت كثيرا من التنازل على صعيد المستوى. وقدم الناقد اللبناني، نماذج أفلام "حب في الدارالبيضاء" لعبد القادر الأقطع، و"عابر سبيل" و"البحث عن زوج امرأتي" لمحمد عبد الرحمن التازي، أو "شاطئ الأطفال الضائعين" لجلالي فرحاتي، قبل أن تنفجر أفلام نبيل عيوش ...إلخ وأضاف أنه مهما يكن من أمر، فإن الصورة اليوم في إنتاج العام 2010 المؤلف من 19 فيلماً طويلا ونحو 40 شريطا قصيرا، تبدو أكثر وضوحا، في ذلك الفرز بين أعمال متفاوتة المستوى والمواضيع... ومتفاوتة بخاصة على صعيد لعبة التلقي نفسها. وعزا السمة الأبرز، والتي تغري المرء بالحديث عن "بلوغ سن الرشد"، إلى أمرين أساسيين بالخصوص هما وجود هامش كبير لكل أنواع التجريب على صعيد اللغة السينمائية والمواضيع المستلهمة وحضور المرجعية السينمائية على حساب كل مرجعية أخرى. أما الأمر الثاني فهو بروز جيل جديد من سينمائيين قدموا أفلامهم الأولى وهم يتحلقون حول عامهم الثلاثين، ولا يبدو أنهم يدينون بأي شيء للجيل السابق عليهم في السينما المغربية، سواء أكان جيلا مؤسسا أم جيلا وسطا كان هو من رسخ السينما المغربية هذه وفرض حضورا قويا لها في المجتمع المغربي كما على خريطة السينما العالمية أحيانا. ورأى أنه من اللافت أن أبناء هذا الجيل هم الذين حصدوا الجوائز الأساسية في المهرجان الطنجاوي، كما حصدوا التصفيق وإعجاب النقاد ملاحظا أن الفوز كان من نصيب أفلام أولى أو ثانية لأصحابها ، في شكل عام، حتى وإن سجل فوز مميز ل` "مخضرمين"، هما حكيم بلعباس ونبيل عيوش، الأول إذ نال الجائزة الكبرى عن "أشلاء" ، والثاني إذ نال غير جائزة أساسية عن عمله الجديد "أرضي". كما لاحظ أنه من اللافت أكثر، حقا، أن هذين الفيلمين ينتميان إلى "السينما الوثائقية" حتى وإن كان كل من مخرجيهما قد اختار لعمله حلولا جمالية تتجاوز ما هو معروف عن اللغة الوثائقية، شكلا ومضمونا. يذكر بأن الدورة ال 12 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة نظمت خلال الفترة ما بين 21 و29 يناير المنصرم.