تجسد معركة الهري الشهيرة، التي يخلد الشعب المغربي غدا 13 نونبر ذكراها السادسة والتسعين ، إحدى أروع صور كفاح المغاربة ضد المستعمر الفرنسي الذي عمل جاهدا على بسط سيطرته على منطقة الأطلس المتوسط سنة 1914 . فقد شكلت هذه المعركة تحديا حقيقيا للاحتلال الأجنبي وتصديا قويا للمخطط التوسعي لسلطات الاستعمار الفرنسي الرامي الى السيطرة على الأطلس المتوسط بعدما غزو السهول الأطلسية الداخلية . فلم يكن من الممكن ، حسب تصور الادارة الاستعمارية، الإبقاء على السهول الأطلسية والمغرب الشرقي المجاور للجزائر تحت سيطرتها ما لم يتم الاستيلاء على الأطلس المتوسط نظرا لما يكتسيه من أهمية استراتيجية تتمثل على وجه الخصوص في غناه الغابوي والمائي، بالاضافة الى توفره على خط المواصلات المباشر الذي يربط بين مراكشوفاس عبر أم الربيع وخنيفرة. وذكر بلاغ للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أن هذا الوضع الاستراتيجي للمنطقة زاد من حدة الأطماع الأجنبية وحرك مخططاتها التوسعية لوضع حاجز حول قبائل زيان وفتح الطريق بين فاسومراكش، يليه هجوم واسع النطاق على مقاومي الأطلس المتوسط لجعلهم في عزلة عن المناطق الأخرى. وفي هذا السياق - يضيف البلاغ - استهدفت العمليات العسكرية الأولى احتلال مدينة خنيفرة في شهر ماي 1914 وكان ذلك محفزا للقوات الأجنبية لاحتلال المناطق المجاورة للمدينة، ومن ضمنها قرية الهري التي كانت تشكل مقرا لتجمع المجاهدين وقاعدة لانطلاق الهجومات التي كانوا يقومون بها على الوحدات العسكرية الاستعمارية. وأكد البلاغ أنه نظرا لأهمية هذه المرحلة، فقد تم إسناد مهمة الهجوم على مقاومي قبائل زيان الى كبار قادة جيش الاحتلال، خاصة وأن هذه القبائل كانت تحت قيادة البطل موحى أوحمو الزياني الذي اتخذ من الهري بالضفة الشرقية لنهر واد شبوكة مقرا للمجاهدين، وتم الاعداد لهذا الهجوم بكل الوسائل الحربية المتطورة وبحشد كبير من الجنود. لقد كان الهجوم على معسكر الزياني عنيفا، حيث بدأ في الساعة الثالثة صباحا من يوم 13 نونبر1914 وتم تطويق المعسكر من أربع جهات في آن واحد ، ليبدأ القصف شاملا ، حيث قذفت الخيام التي كانت تأوي الأبرياء، وقام الجنود بأمر من " لافيردير " بمهاجمة القبائل المحيطة بالقرية، فيما استغل البعض الآخر الفرصة لجمع القطيع الموجود من الأغنام والأبقار واختطاف النساء. وظن قائد الحملة العسكرية الفرنسية على الهري بأن النصر صار حليفه وأنه واضع لا محالة حدا لمقاومة الزياني، غير أنه أصيب بخيبة أمل حينما فوجئ برد فعل عنيف من طرف المقاومين ليدرك بعد ذلك أنه ألقى بنفسه وبقواته في مجزرة رهيبة ودوامة لا سبيل للخروج منها. وبالفعل فقد كان رد فعل المقاومة عنيفا وأشد بأسا، حيث زاد عدد المجاهدين بعد انضمام سائر القبائل الزيانية. وأبرز البلاغ أنه تم استعمال كل أساليب القتال من بنادق وخناجر وفؤوس، وتمكن المقاومون من زرع الرعب في صفوف جنود الاحتلال، وازداد الاضطراب في وضعها وفقدت سيطرتها على الموقف وانفلت منها زمام الأمور سيما عند سقوط عدد من الضباط قتلى وجرحى، مما أجبر المحتل على طلب المزيد من التعزيزات والوحدات الاضافية، غير أن مقاومة القبائل المجاهدة لم تترك له فرصة للانسحاب حيث تعقبت قوات موحى أوحمو الزياني القوات الأجنبية وحاصرت ما تبقى من فلول جيش المستعمر عند نقطة بوزال التي قتل فيها القائد " لافيردير"، وهو ما دفع باقي جنود الاحتلال إلى الاستسلام. وأضاف أن أرض الهري كانت من أكبر المقابر العارية لقوات الاحتلال، حيث قدرت خسائر القوات الفرنسية ب 33 قتيلا من الضباط و 580 قتيلا من الجنود و 176 جريحا، وغنم المجاهدون 3 مدافع كبيرة و 10 مدافع رشاشة، وعددا كبيرا من البنادق. وقد ظل القائد موحى أوحمو الزياني يواصل جهاده بخوضه لمعارك أخرى الى أن استشهد في معركة تاوجكالت ضدالجنرال " بوميرو " يوم 27 مارس 1921 ودفن " بتاملاكت " ليظل علما منتصبا شامخا في ذاكرة الوطن. لقد شكلت هزيمة الهري نقطة سوداء في تاريخ الاستعمار الفرنسي في شمال افريقيا وخير دليل على ذلك ما كتبه الجنرال " كيوم " أحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في الحملة على قبائل الأطلس المتوسط في مؤلفه " البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط 1912 - 1933 " حيث يقول :" لم تمن قواتنا قط في شمال افريقيا بمثل هذه الهزيمة المفجعة". وأكدت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في بلاغها أنها ستنظم بهذه المناسبة، مهرجانا خطابيا بالجماعة القروية الهري التابعة لإقليم خنيفرة بحيث سيتم تكريم أعضاء أسرة المقاومة بالإقليم اعترافا بالتضحيات التي بذلوها خدمة للوطن.