اعتبر المفكر حسن حنفي، أمس الأربعاء ببيروت، أن هناك سبعة شروط لتحقيق نهضة عربية إسلامية (مصر نموذجا) لا تكبو في منتصف الطريق، على غرار مثيلاتها السابقات بعد رفاعة الطهطاوي (1882)، وثورة أحمد عرابي (1919)، وحركة الضباط الأحرار (1952). وأوضح حنفي، في محاضرة بعنوان "شروط النهضة" قدمها بدعوة من المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، أن الشروط السبعة لم تتجسد في هذه المحاولات النهضوية التي فشلت بسبب تفكيرها أولا في الاستيلاء على السلطة باعتبار أنه لا نهضة دون سلطة، وثانيا بسبب هيمنة فكرة الزعيم أو الزعامة (محمد علي، سعد زغلول، جمال عبد الناصر..). وتساءل هل أن الأمر يتعلق بظاهرة عربية أم عالمية (نابليون، دوغول، تشرشل، غيفارا، كاسترو، ماو تسي تونغ، هو شي منه..)، مشيرا إلى أن الأمر قد يكون مرتبطا في التجارب العربية الإسلامية بالثقافة الدينية والقصص القرآني والتركيز على شخصية النبي المنقذ. وأضاف الباحث الإسلامي أن السبب الثالث يتمثل في الحكم عن طريق النخبة باعتبارها زعامة موسعة من قبيل اعتماد محمد علي على النخبة التركية الأوروبية، والحكم بعد 1919 بالاستراتيجية الإقطاعية (الباشوات)، والثورات عن طريق النخبة العسكرية التي تمثل الطبقة المتوسطة، والخشية من المثقفين باعتبارهم يشكلون نخبة أو طبقة تسعى لقيام النهضة. أما السبب الرابع فهو مفهوم الدولة، ذات القوانين المقتبسة من الغرب أو من الشريعة، غير الموجود أصلا في الثقافة العربية الإسلامية التي لا تستمد هويتها من الجغرافيا بل من مفهومي الأمة والخلافة، فيما يتمثل السبب الخامس في التدخل الغربي الذي يؤدي إلى التغريب إن كان إيجابا وإلى العدوان إن كان سلبا. واستشهد على سعي الغرب إلى إجهاض جميع المحاولات النهضوية في الشرق بعرقلته لمحاولة محمد علي إعادة الخلافة الإسلامية انطلاقا من مصر، وتدخل بريطانيا ضد ثورة عرابي، والغرب ضد عبد الناصر في حرب يونيو 1967، ومحاولة احتواء الصين والهند حاليا في ظل استحالة التدخل العسكري ضدهما. وأضاف المفكر المصري أن النهضة قامت باستمرار على أساس التنمية الاقتصادية والتصنيع على غرار تشييد محمد علي لمدرسة "المهندسخانة" لتخريج المتخصصين الفنيين ومطبعة بولاق وجريدة (الوقائع المصرية)، وإنشاء ثورة 1919 لبنك مصر والقناطر الخيرية، وقيام ثورة 1952 بالتأميم والتمصير والتصنيع وغيرها، لكن هذه الثورات أحدثت قطيعة مع الماضي وحلت الأحزاب وفشلت في إحداث حزب بديل وإن كرست سياسة الحزب الوحيد والزعيم الأوحد. وعزا السبب الجوهري الذي يعرقل نجاح النهضة المتوخاة إلى ثبات الثقافة الشعبية والموروث الثقافي، واستمرار الأجوبة القديمة والتصور الهرمي للعالم، وأهمية المحور الرأسي بين الأدنى والأعلى، وسيادة القدرية والإيمان بإمكان تحقق المعجزات ورأى المفكر حسن حنفي أنه بعد 1967، تعين طرح مفكرين عرب لأسئلة جديدة على أنقاض القديمة على غرار ما فعله الفيلسوف الألماني أوغست كانت "كيف أعرف، كيف أعمل، كيف آمل"، فكتب محمد عابد الجابري (نقد العقل العربي) وعبد الله العروي (الإيديولوجيا العربية المعاصرة) ومحمد عزيز الحبابي (الشخصانية الإسلامية) ومحمد أركون (نقد العقل الإسلامي) وحامد نصر أبو زيد (نقد الخطاب الديني) وزكي نجيب محمود (المنطق الوضعي) وحسن صعب (الوعي العقائدي) والطيب تيزيني (من التراث إلى الثورة) وأدونيس (من الثابث إلى المتحول) ... وهدفت هذه الكتابات إلى نقد العقل العربي والفكر الديني وتحديثهما وهما الشرطان الأولان لقيام النهضة وتفادي الإخفاقات السابقة، ولكن هذه النخبة التي لا يمكن تصور العالم بدونها ظلت محصورة ونخبوية ومرتبطة بالفكر الغربي من قبيل علاقة الجابري بميشيل فوكو، والحبابي بإيمانويل مونيي، وأركون بفريديناند دوسوسير، وزكي نجيب محمود بالوضعية، وأدونيس (وحسن حنفي) بالظاهرية، والعروي بالماركسيين الشبان، وتيزيني بالماركسية. ودعا حسن حنفي إلى إرساء قواعد النهضة على أساس الثقافة والعقل، مشيرا إلى أن المفكرين العرب هم رد فعل على هزيمة 1967 وهي "هزيمة في العقل والخيال قبل أن تكون هزيمة في الساحة"، ويشكلون مجرد ظاهرة طلابية في الجامعات لا يمكن أن تحدث ثورة. كما دعا إلى إصلاح الفكر الديني القديم باعتبار أن الله عز وجل يوجد في السماوات والأرض، مشيرا في هذا الصدد إلى أن الفكر الإسرائيلي غزا الجامعات بمفهوم الأرض باعتبار أن إسرائيل لن تعيش دون القدس والأراضي المحتلة، لذا فهو يشيد فكره بالكامل في الصراع مع الصهيونية على مفهوم الأرض. وأشار إلى أنه حاول على مدى الخمسين سنة المنصرمة إعادة بناء المفهوم الديني على أساس الوحي والنبوة والمسؤولية، وتطوير الفكر المعتزلي القديم إلى آخر جديد يقوم على توزيع الثروات بناء على آليات من الداخل، والدعوة للاهوت الأرض والعدالة والتنمية والحرية، والتخفيف من غلواء التصوف (الرضا والقناعة والصبر والتوكل...) الذي نشأ في ظروف تاريخية معينة. وشدد على تأويل النصوص تفسيرا موضوعيا والتخفيف من المقدس والسعي لتغيير الموروث الثقافي، وإحداث تراث جديد، ووضع مناهج جديدة تطابق أحوال المسلمين وتساير واقعهم وظروفهم الحالية وتماشي العصر الذي يعيشون فيه، وتحويل الرواية إلى دراية والنقل إلى عقل بعيدا عن الإعلام الذي يسعى إلى الإثارة وليس إلى النهضة. ومن مؤلفات حسن حنفي، الذي شارك أيضا في ندوة احتضنها قصر اليونسكو أول أمس ببيروت في موضوع "الإسلام المعاصر في فكر محمد إقبال"، (موسوعة الحضارة العربية الإسلامية) و(من العقيدة إلى الثورة) و(من النقد إلى الإبداع) و(من النص إلى الواقع) و(من النقل إلى العقل) و(حوار المشرق والمغرب) بالاشتراك مع المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري.