انكبت شخصيات مرموقة وطنية وأجنبية من عوالم السياسة والاقتصاد والمجتمع المدني بأكادير على بحث تجربة المبادرة المغربية للتنمية البشرية، التي تأكدت بالملموس وجاهتها خلال الظرفية الاقتصادية العالمية الحالية، حيث تبرز بحدة، وأكثر من أي وقت مضى، المعادلة الصعبة للتوفيق بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية. فبعد مرور خمس سنوات على إطلاقه من قبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يمثل هذا الورش الكبير، بما لا يدع مجالا للشك، إحدى التجارب الأكثر نجاحا من أجل الإسراع في تحقيق أهداف الألفية من أجل التنمية التي حددتها الأممالمتحدة على أمل تحرير جزء كبير من الإنسانية من ربقة الفقر والتهميش. فمن خلال حضورهم المكثف، أكد العديد من ممثلي الحكومات والمنظمات والهيئات الدولية، ومن الأوساط العلمية والحركة الجمعوية، على الأهمية التي تحظى بها هذه المبادرة، وكذا قيمتها النموذجية في وقت تشهد فيه مناطق عدة عبر العالم عجزا كبيرا ما فتئ يتفاقم بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية. وهكذا، فإن أمما من الجنوب ترى حظوظها تتضاءل في بلوغ أهداف الألفية من أجل التنمية في أفق سنة 2015. + الأزمة الاقتصادية تؤكد وجاهة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية + ففي هذه الظرفية، انتقل نحو 1700 خبير، قدموا من مختلف بقاع المعمور، إلى أكادير من أجل تدارس المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، واستعراض أفضل الممارسات على الصعيد الدولي من أجل تعزيز التنمية البشرية. وبالنسبة للمغرب، فإن هذا الحدث الهام يعد فرصة مثالية لتقاسم تجربته، رغم فتاوتها، وتقويتها بالنظر إلى ممارسات بلدان أخرى، ووضعها تحت الأنظار وللنقاش من قبل هذه الشخصيات المرموقة المشاركة في هذا اللقاء. وبالنظر إلى جودة المداخلات، فقد كانت النقاشات في مستوى الانتظارات، حيث تم تبادل الآراء وبحث مختلف وجهات النظر بشأن أفضل الممارسات حول هذه القضية الحساسة والراهنة عالميا، والمتمثلة في التنمية البشرية. وقد تم بهذه المناسبة الوقوف على النجاحات والإنجازات الملموسة التي حققتها هذه التجربة المغربية الرائدة، وكذا ملامسة حدودها وهوامش تطورها. كان نقاشا أكثر من هام، في وقت تستعد فيه المملكة إلى مواصلة هذا الورش الملكي خلال السنوات الخمس المقبلة. وأكد المسؤولون المغاربة، بعيدا عن أي مركب نقص، أنه تم على المستوى الميداني مواجهة صعوبات ومضايقات خلال المرحلة الأولى من تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، خصوصا على مستوى الفئات المستهدفة واستمرارية المشاريع وآثارها. وقد أجمعت هذه الشخصيات على أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في منهجيتها وفلسفتها تقدم إجابات وجيهة على المعادلة الصعبة التي تواجه العالم أجمع والمتمثلة في كيفية التوفيق بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية. وقال وزير الاقتصاد والمالية السيد صلاح الدين مزوار انه بالنسبة للمغرب فإن الاقتناع الراسخ يكمن في أن الغرض من النمو الاقتصادي هو تحقيق رفاهية الإنسان وتلبية حاجياته في بيئته الاجتماعية والطبيعية، مشيرا إلى أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تعد دليلا على هذا الإلتزام من المغرب وعلى أعلى مستوى. واعتبر الوزراء الأفارقة، الذين قدم العديد منهم إلى أكادير، على أنه "لن يكون هناك نمو اقتصادي مستدام ومدعم بدون انخراط فعال ونشيط للرأس المال البشري". + قرية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية دليل على النتائج المشجعة+ وحسب هؤلاء فإن التحدي المطروح أمام البشرية، اليوم أكثر من أي وقت مضى، يتمثل في تمكين الساكنة المهمشة من الولوج إلى حياة أفضل، وكذا الولوج إلى الغذاء ودخل كاف، وإلى التعليم والخدمات الصحية الأساسية، والماء الصالح للشرب والتطهير، وتمكين المرأة. وبرأي المدير العام لصندوق النقد الدولي، دومينيك شتراوس كان، فإن التجربة المغربية في مجال التنمية البشرية، التي كرستها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تستحق تسليط الضوء على القضايا المرتبطة بإعادة توزيع الثروات وتقليص التفاوتات بين الفئات الاجتماعية داخل البلد الواحد. وفي مرحلتها الأولى، مكنت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من إطلاق 22 ألف مشروع تنموي لفائدة خمسة ملايين مستفيد، وبغلاف مالي تجاوز 10 ملايير درهم، وكذا خلق أزيد من 3400 من الانشطة المدرة للدخل، والتي أحدثت 40 ألف منصب شغل. وقد مكنت قرية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تم إعدادها على مساحة 2000 متر مربع بساحة الأمل، في قلب أكادير، من إعطاء فكرة على جميع المشاريع الاجتماعية والمنجزات التي تحققت بفضل هذه المبادرة. وقد قام رجال ونساء، بكل فخر، بعرض منتوجاتهم وعبقريتهم وانخراطهم في مختلف قطاعات الأنشطة، وذلك من أجل إظهار أن هذا الورش الكبير هو مرادف لتغيير نمط الحياة وتحسين الظروف التي توجد فيها شريحة كبيرة من المجتمع المغربي في الشمال كما في الجنوب، وفي الشرق والغرب. ويحتضن هذا الفضاء أفضل المشاريع الاجتماعية للقرب وأحسن الأنشطة المدرة للدخل والتي تمثل 83 إقليما وعمالة بالمملكة. وحسب رأي العديد من زوار هذا الفضاء، مغاربة وأجانب، فمن خلال الاتصال مع النساء والرجال المستفيدين من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية فإنك تشعر بشكل ملموس بنظام القيم القوية التي تتأسس عليه. ويعد احترام كرامة الإنسان، والمواطنة، والثقة والانخراط الواعي للمواطنين، والأخلاق، سمة مميزة لهذا الورش الكبير، كل ذلك ضمن إطار مقاربة تشرك الساكنة ومنظمات المجتمع المدني من أجل التعبير عن احتياجاتهم واتخاذ القرارات. وخلال المرحلة الأولى 2005-2010، فإن المشاريع ال22 ألف، كما تظهر ذلك قرية منتدى أكادير، تهم مجالات متنوعة مثل الولوج إلى البنيات التحتية الأساسية، وتحسين ظروف وإطار العيش، وتعزيز القدرات، والتكوين المهني والتعلم، والمساعدة على خلق الأنشطة المدرة للدخل. ومن خلال أخذ مبادرة تنظيم منتدى حول التنمية البشرية، فقد قام المغرب بتركيز انتباه صناع القرار والخبراء على مشكلة ذات حساسية كبيرة وتكتسي راهنية عالمية وهي التنمية البشرية، والتذكير مرة أخرى أمام العالم بأنه لا يوجد نمو اقتصادي ممكن دون القضاء على التفاوتات الاقتصادية في إطار روح من التقاسم والتضامن.