على بعد خمس سنوات من حلول أجل 2015، وهي السنة المحددة لتحقيق أهداف الألفية للتنمية، يجد المغرب نفسه، بفضل خطواته القوية والمتسارعة على درب الإصلاح والتنمية، مؤهلا ليكون من بين الدول التي ستتمكن من تحقيق الأهداف الثمانية التي وضعتها الأممالمتحدة بإجماع دولي سنة 2000. فقد أظهرت المملكة، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، إرادة وطنية واضحة لاستثمار المكتسبات التي تحققت سواء في الميدان الاقتصادي أو من أجل تجاوز العجز والخصاص الاجتماعي بفضل مجموعة من التدابير والسياسات الإرادية في مجال الأوراش الكبرى والتنمية البشرية وفي مقدمتها المبادرة الخلاقة التي أبدعها جلالة الملك " المبادرة الوطنية للتنمية البشرية". وإذا كان المغرب، والتزاما منه بتحقيق أهداف الألفية للتنمية كما حددها المجتمع الدولي، يعيش على إيقاع مرحلة ما بعد سياسة التقويم الهيكلي والثقل المجحف لأزمة المديونية، فإن وجود إرادة وطنية قوية لتجاوز إكراهات المعضلة الاجتماعية ساهم بشكل كبير في رسم معالم مستقبل أكثر إشراقا، بفضل نهج سياسات تجعل الانسان أولوية الأولويات. وقد تعززت هذه السياسات، بالمشروع المجتمعي الذي رسمه جلالة الملك للمغرب والذي يقوم على تحقيق تنمية اقتصادية قوية وتوزيع اجتماعي وجغرافي عادل للثروات، ومشاركة ديمقراطية أكثر حيوية، في إطار مواطنة معترف وملتزم بها. وهكذا شهد الاقتصاد المغربي حركية قوية ومتسارعة في أفق التطور والنمو بفضل سلسلة من الإصلاحات المجتمعية والمؤسساتية التي سعت لتأهليه وتمكينه من الاندماج بفعالية في الاقتصاد العالمي. حيث استفاد المغرب من انفتاحه على الاقتصاديات العالمية ومن شراكته مع الاتحاد الأوربي والإمكانيات التي توفرها اتفاقيات التبادل الحر المبرمة مع الولاياتالمتحدة ومع عدد من دول الشرق الأوسط وإفريقيا. ومكنت هذه الدينامية من إحداث أقطاب اقتصادية محورية، ما فتئت تتنامى على المستويين القطاعي والجهوي، بشكل أتاح استغلال المؤهلات الجيو استراتيجية التي يتمتع بها المغرب والإمكانيات الطبيعية والبشرية التي تزخر بها كثير من جهاته الجغرافية، وهو ما وفر فرصا جديدة لفئات عريضة من السكان للاستفادة من خدمات اجتماعية أساسية، و ساهم بالتالي في تمكين مستوى النمو الاقتصادي من قدرة أكثر على تقليص الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية. كما جسدت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، من جانبها، أقوى تعبير عن الإرادة الملكية الرامية إلى جعل التنمية البشرية، غاية للنمو وعاملا محركا له في نفس الوقت، ذلك أن هذه المبادرة الخلاقة أضحت تشكل، بفضل أسسها النظرية ومنهجية تطبيقها التشاركية، إطارا متميزا للارتقاء بمستوى التنمية الاجتماعية، بما في ذلك تحقيق أهداف الألفية للتنمية. لذلك فإن المشاريع المبرمجة في إطار المبادرة تروم تحسين ظروف معيشة السكان من خلال تطوير البنيات التحتية الاجتماعية والتشجيع على إحداث المشاريع الصغرى المدرة للدخل خاصة لفائدة الشباب والنساء، عبربرامج تروم محاربة الهشاشة والتهميش والقضاء على مظاهر الفقر والإقصاء الاجتماعي. وعلى بعد خمس سنوات من حلول أجل 2015، يمكن القول أن الإنجازات التي حققها المغرب سواء في الميدان الاقتصادي أو في مجال التنمية البشرية، كفيلة بأن تؤهله ليكون من بين الدول التي ستتمكن من تحقيق أهداف الألفية للتنمية في هذا الأفق. وتلك حقيقة تؤكدها كل من الدراسات التي قامت بها المندوبية السامية للتخطيط وتقديرات العديد من الشخصيات بالأممالمتحدة، كما تشهد على مصداقيتها المعطيات الإحصائية المتوفرة. وفي هذا السياق، تشير بعض المعطيات الإحصائية الواردة في التقرير الوطني حول أهداف الألفية للتنمية برسم سنة 2009، إلى تراجع نسبة الفقر المدقع (السكان الذين يقل دخلهم عن دولار أمريكي واحد في اليوم) من 5ر3 بالمائة سنة 1990 إلى 6ر0 بالمائة سنة 2008 مقابل قيمة مستهدفة تناهز 8ر1 بالمائة في أفق سنة 2015. (الهدف الأول). وارتفع مؤشر توفير التعليم للجميع من 4ر52 بالمائة سنة 1990 إلى 5ر90 بالمائة سنة 2009 (الهدف الثاني)، كما بلغ مؤشر التكافؤ بين الجنسين بالتعليم الابتدائي 89 بالمائة سنة 2009 في مقابل 66 بالمائة سنة 1990 (الهدف الثالث)، و انتقل المؤشر من وفاة 76 طفل أقل من خمس سنوات لكل ألف ولادة في نهاية الثمانينات إلى 9ر37 حالة وفاة في الألف سنة 2008 (الهدف الرابع). وانتقل من 227 حالة وفاة الأم لكل 100 ألف ولادة حية ما بين 1995 و2003 إلى 132 حالة وفاة ما بين 2004 و2009، فيما يبلغ الهدف المنشود 83 حالة وفاة سنة 2015 ، والولادة بوسط خاضع للمراقبة الهدف المطلوب سنة 2015 هو 80 بالمائة والقيمة المحققة في 1999-2003 هي 63 بالمائة (الهدف الخامس). كما تمكن المغرب من تسجيل تقدم كبير في مجالات الوقاية والفحص والتكفل بالمصابين بالسيدا، حيث تعد المملكة أول دولة في شمال افريقيا والشرق الأوسط تحصل على دعم الصندوق العالمي لمحاربة السيدا والسل والملاريا سنة 2003 وهو الدعم الذي تم تجديده خلال الفترة الممتدة من 2007 إلى 2011 تقديرا للجهود المبذولة، فيما تم القضاء على حمى المستنقعات سنة 2006 .(الهدف السادس). ومن جانب أخر، بذل المغرب جهودا كبيرة بخصوص الحفاظ على الموارد الطبيعية وذلك لفائدة التنوع البيولوجي والغابات والتربة والواحات، كما تم تحقيق نتائج مهمة في مجال التزويد الدائم بالماء الصالح للشرب والحصول على نظام جيد للصرف الصحي ومحاربة السكن العشوائي. (الهدف السابع). وتجدر الإشارة إلى أن أهداف الألفية للتنمية تشمل القضاء على الفقر المدقع والجوع، وضمان التعليم الإبتدائي للجميع، وتعزيز المساواة بين الجنسين واستقلالية النساء، وخفض وفيات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، وتحسين الصحة الإنجابية، ومحاربة مرض نقص المناعة المكتسب وحمى المستنقعات والأمراض الأخرى، وضمان بيئة مستدامة، وإقامة شراكة عالمية من أجل التنمية. وبغض النظر عن أهداف الألفية للتنمية، فإنه يحق للمغرب أن يعتز بالإرادة الملكية المتجسدة في إطلاق جيل جديد من الإصلاحات والمشاريع الهادفة إلى وضع تنمية البلاد في آفاق التطور المرتقب لاقتصاديات الدول المتقدمة، بما يجعل المملكة تتمتع، بعد أن تمكنت من امتصاص العجز الاجتماعي، بصورة بلد عازم على بناء النموذج المستقبلي لتنميته الاقتصادية والاجتماعية.