تحتفل بلدان المعمور غدا الثلاثاء باليوم العالمي للسلام الذي يصادف يوم 21 شتنبر من كل سنة ،وهي مناسبة دأبت الحكومات والأفراد في شتى أصقاع العالم على تخليدها سنويا سعيا منها لتكريس قيم السلام والتسامح وإخماد فتيل والنزاعات والحروب. وتختزل المقولة الشهيرة للفيلسوف الالماني ايمانويل كانط، التي ألهمت كثيرا واضعي أسس عالم السلام ،الكثير من هذه القيم والمعاني التي ماتزال الانسانية تنشدها الى يومنا هذا ولئن كان من المستحيل للوهلة الأولى تحقيق فكرة السلام الدائم، فإن من الممكن الوصول إليها عبر إصلاح ضمني (...) يتم تبعاً لمبادئ راسخة تقودنا دائماً الى هذا الخير الاسمى في ميدان السياسة: أي السلام الدائم بين جميع الدول والشعوب في هذا العالم.... فعلى الرغم من كل الجهود التي تبذل في سبيل بناء عالم آمن ومستقر ، ماتزال بؤر التوثر والصراعات الدامية تجتاح العديدد من مناطق العالم مشكلة مادة "دسمة" تعكس صداها الأليم ومشاهدها المفجعة وسائل الاعلام بمختلف تلاوينها، ممايستوجب استصراخ الضمير الانساني لوضع حد لهذه المآسي والعمل على استتباب السلم والحفاظ على الحياة الإنسانية الكريمة. والاكيد أن تمة حاجة ماسة، في ظل انتشار النزاعات، التي لاتستهدف حياة البشر فسحب بل تستنزف مواردهم الطبيعية ، إلى الانتصار لمبادئ السلام في ونبد الحروب وأهوالها ونتائجها المأساوية على الشعوب. فالعراق وأفغانستان، على سبيل الاستشهاد لا الحصر، حولتهما رحى "الحرب على الإرهاب" إلى مقبرة يوأد فيها الإنسان ، وفلسطين ولبنان تدفعان ثمن صراعات القوى العالمية فيما النزاعات الأهلية التي يذكيها صراع مصالح القوى العظمى فقد حول إفريقيا الى قارة يفترسها الفقر والجوع والآفات رغم أنها تعج بثروات طبيعية هائلة وموارد بشرية كبيرة. أما في بلدان آسيا الفقيرة ودول امريكا اللاتينية فلا صوت يعلو فوق صوت القوة. هو إذن وضع يعكس جنوح البشرية نحو العنف واستخدام القوة لغة لحل خلافاتها دونما اكثرات بانعكاساتها الكارثية على مستقبل العالم الذي أضحى أشبه بفوهة بركان تنفث حمم الرعب والخراب . ولربما هذا ما حدا بالأممالمتحدة إلى تخصيص يوم للسلام يقف فيه العالم ضد كل أشكال خرق حق الإنسان في الحياة، ويجعل منه لحظة مصيرية تجسد فيها الدول والحكومات رغبتها الأكيدة في الحفاظ على أمن شعوبها وتبدي فيها حرصا قويا على حياتها. وقد وجه الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي - مون، بهذه المناسية الدعوة للشباب في جميع أرجاء العالم لكي يتخدوا موقفًا تجاه السلام تحت شعار، "الشباب من أجل السلام والتنمية"،وذلك بالتزامن مع انعقاد قمة هامة حول أهداف الالفية للتنمية ، التي تعتبر أكبر حملة لمكافحة الفقر في العالم. وعلاوة على ذلك، أعلنت الجمعية العامة سنة 2010 السنة الدولية للشباب: الحوار والتفاهم المتبادل. كما قامت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة خلال شهر غشت الماضي بإطلاق حملة لتعزيز مُثُل السلام والاحترام وحقوق الإنسان والتضامن عبر مختلف الأجيال والثقافات والأديان والحضارات. ثمة إذن، وفق منظور الأممالمتحدة، ارتباط وثيق بين الشباب والسلام والتنمية، فالسلام يساهم في تحقيق التنمية، التي تعتبر عاملا أساسيًا في إتاحة الفرص للشباب، ولا سيما أولئك الذين يعيشون في بلاد وضعت فيها الحرب أوزارها حديثا. كما أن الشباب الأصحاء المتعلمين يمثلون بدورهم عاملا بالغ الأهمية في تحقيق التنمية المستدامة والسلام المستدام. ويعتبر السلام والاستقرار والأمن من العوامل الرئيسية في تحقيق أهداف الالفية للتنمية، والتي تروم تخفيض نسبة الفقر والجوع والمرض ومعدل وفيات الأمهات والأطفال بحلول عام 2015. ووعيا بالإمكانات الهائلة لدى الشباب والتي لا بد من استغلالها لضمان تحقيق هذه الأهداف في حياتهم، دعا الأمين العام للامم المتحدة "بان كي - مون" في الثالث عشر من يونيو الماضي، خلال تدشينه العد التنازلي ل` 100 يوم قبل اليوم الدولي للسلم، الشباب في جميع أرجاء العالم لتقديم إسهاماتهم (قصص) - خلال وسائل الإعلام الاجتماعي - التي يفصلون فيها ما يقومون به من أجل تحقيق السلام . وحث الأمين العام الأممي الشباب إلى توسيع نطاق أعمالهم الرامية إلى بناء السلام وتبادل خططهم وأفكارهم بروح خلاقة وحماس "ذلك ان شواغل العالم ستكون عما قريب بين أيدي هؤلاء الشباب". وقال في هذا السياق "إنني أسلم بحقيقتين: لن يحقق الشباب كامل إمكاناتهم إلا في ظل بيئة سلمية - ولدى الشباب القدرة على أن يبدأوا اليوم في بناء ذلك العالم الذي يعيش في سلام". وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم للمرة الأولى عام 1981 ، وكان الهدف منه، منذ البداية، الاحتفال بالسلام وتعزيز مثله بين الأمم الشعوب وفي علاقاتها بعضها بالبعض الآخر. وقد اتخذ هذا اليوم العالمي بعدا جديدا بعدما أطلقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم (53/25)، عام 1998، "العقد الدولي لثقافة السلام واللاعنف من أجل أطفال العالم"، كما أقرت في السابع من شتنبر 2001 تخصيص 21 شتنبر يوما عالميا للسلام من أجل العمل على وقف إطلاق النار ولجم دورة العنف بين الدول والشعوب ودعوة لاحترام وقف العداء خلال هذا اليوم. كما دعت الجمعية العامة الدول الأعضاء وهيئات الأممالمتحدة والمنظمات القطرية وغير الحكومية للتعاون مع الأممالمتحدة لتأسيس وقف إطلاق النار على الصعيد العالمي. ويظل رهان العالم اليوم هو التئام كل القوى والإرادات للقطع مع كل الأشكال الممنهجة وغير الممنهجة للمعاناة البشرية بسبب ويلات الحروب وإعادة النظر في النواميس التي باتت تحكم العالم وتجعله أسيرا لنزعات القوى الكبرى التي ترغب في الحفاظ على هيمنهتا على مصادر الثروات والسلطة عبر العالم. ومن هذا المنطلق، يرى ملهم فكرة "السلام الدائم" كانط، أن الاستعداد الدائم للحروب الذي عنوانه مراكمة السلاح وتدريب المقاتلين والتعبئة الإيديولوجية، وجعل كل اقتصاد يتجه لأن يكون اقتصاد حرب وقتال، بدلاً من أن يكون اقتصاد تنمية ورفاهية للناس، ينتج من كوننا، في غياب شرعة دولية ملائمة نبدو محرومين من كل عقل، معتبرين أنفسنا كما لو كنا من جنس سائر أصناف الحيوان في منظومة الطبيعة. فهل سيكون بمقدور الانسان استبدال ذكائه اليائس بسلطان إرادته الواعية.