قال الأب كريستيان دولورم صديق المفكر الإسلامي الجزائري محمد أركون، الذي توفي مساء أول أمس الثلاثاء بباريس، إن الراحل كان "جد مرتبط" بالمغرب حيث يمكنه "التعبير بحرية عن أفكاره". وأكد الأب دولورم، الذي كان إلى جانب الراحل منذ سنوات عدة من خلال على الخصوص كل أعمالهما المخصصة لخدمة التقارب بين الأديان، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن "الأستاذ أركون كان يذهب باستمرار إلى المغرب لأنه يجد هناك مساحة من حرية التعبير حيث يتم الأخذ بعين الاعتبار ما يقوله". وينتمي الراحل أركون والأب دولورم إلى مجموعة للبحث الإسلامي-المسيحي التي أنشئت في سنوات الستينيات من قبل مثقفين من المغرب العربي ومسيحيين مهتمين بالعالم الإسلامي. وأبرز الأب دولورم تشبث المفكر الكبير محمد أركون بالحوار بين الحضارات والثقافات والشعوب، من خلال الدفاع عن مفهوم "واسع" للدين ، على ضفتي البحر الأبيض المتوسط من حيث تاريخهما، ولكون الغرب والشرق " يتفاعلان فيما بينهما ". وقال القس الفرنسي إنه اقتناعا منه بأنه لا يمكن معارضة تعريفات اليهودية والمسيحية للوحي، بحث من أجل "إيجاد ارتباطات"، مضيفا أن المفكر أركون، الذي يتميز ب`"الصرامة العلمية"، أعرب عن أسفه لكون "الغرب لا يأخذ على محمل الجد العمل على النص القرآني. وبالإضافة إلى التزامه بالحوار بين الأديان، وخاصة مع المسلمين، يعمل الأب دولورم منذ سنوات الثمانينيات من أجل الدفاع عن كرامة المهاجرين في فرنسا ، ولا سيما الجيل الثاني. وكان أيضا أحد المبادرين سنة 1983 إلى مسيرة من أجل المساواة في الحقوق ومكافحة العنصرية، والمعروفة باسم "مسيرة المهاجرين" التي تعد أول تظاهرة وطنية من نوعها في فرنسا. وكشفت هذه المسيرة التي رافقها من ليون إلى باريس النقاب عن التفرقة التي يعاني منها الأطفال المهاجرون الذين ازدادوا في فرنسا. وألف الأب دولورم العديد من الكتب حول حوار الأديان، من بينها كتاب سنة 1998 حول التبادل خصص للحوار بين المسلمين و المسيحيين (لدينا الكثير لنقوله)، مع المفكر الإسلامي المغربي رشيد بنزين. وأشار الأب دولورم إلى أن هذا الأخير بدوره عمل بشكل كبير مع الراحل محمد أركون. وتم تلقي خبر رحيل هذا الوجه الكبير في الفكر الإسلامي في فرنسا بكثير من الحزن، ولا سيما في صفوف الجالية المسلمة، التي أشادت بإسهاماته في الفكر الإسلامي. وفي هذا السياق، أشاد المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية، في بيان له أمس الأربعاء، بهذا "المفكر المسلم الكبير" و"المتنقل الجيد بين الثقافات، الذي دعا دائما إلى ممارسة فكرية حرة حيث يجب احترام الحق في التفكير.) وقال المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إنه "واقتناعا منه بفضائل الحوار بين العالم الإسلامي والغرب، رفض الراحل أركون باستمرار المعارضة التبسيطية بين ثقافتي الإسلام وأوروبا". وذكر بأن هذا المفكر "الإنساني بعمق" يحتل "مكانة خاصة" في حقل العلوم الدينية بفرنسا"، مؤكدا أنه "سيترسخ في الذاكرة كمن ساهم في التعريف بشكل جيد بالإسلام المتنور في فرنسا وأوروبا". من جهته، أشاد المعهد الإسلامي لمسجد باريس بهذا المفكر الكبير الذي "نجح في نقل الأوجه المتعددة للفكر الديني للإسلام". وأبرز أيضا مساهمته كأستاذ مرموق بجامعة السوربون سواء على مستوى نوعية إنتاجاته الأدبية وبحوثه التي جعلت منه "مؤسسا لا محيد عنه للفكر الإسلامي الديني الجديد في فرنسا". أما السيد بيرتران ديلانوى عمدة باريس التي اختارها الراحل للعيش وإشعاع فكره وعمله، فقد أشاد بدوره بهذا "العالم الكبير، العقل الحر" الذي دافع عن الإسلام المتنور وشرحه وجسده باستمرار ضد كل مظاهر اللاتسامح وبعيدا عن جميع حالات سوء الفهم". وقال في بيان له " إن هذا المفكر الكبير، ومن خلال على الخصوص تاريخ الإسلام والمسلمين في فرنسا، ساهم أيضا في انخراط الفكر والممارسة الإسلامية في الثقافة الفرنسية". وأضاف أنه لا يكل عن الإسهام في الحوار بين المسيحية واليهودية والإسلام الذي أتى عن "القناعة بأن ما يجمع مختلف تعابير عقيدة التوحيد قوية بشكل مطلق، وفي نهاية المطاف أكثر واقعية مما يفرق بينها". يذكر أنه بعد أن غادر القبائل مسقط رأسه (الجزائر)، تابع الراحل أركون دراساته العليا في فرنسا واختار منذ عدة عقود الاستقرار بشكل دائم في باريس، حيث شيد مساره الجامعي. وقد ترك الراحل ، الذي توفي عن عمر يناهز 82 عام بعد معاناة مع المرض، مكتبة واسعة من المؤلفات من بينها ( الإسلام: أصالة وممارسة ) ، ( تاريخية الفكر العربي الإسلامي أو "نقد العقل الإسلامي" ) ، و( الفكر الإسلامي: قراءة علمية ) ، و( الإسلام: الأخلاق والسياسة ) ، و ( من الإجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي ) ، و(الإسلام أوروبا الغرب، رهانات المعنى وإرادات الهيمنة ) ، و( نزعة الأنسنة في الفكر العربي ) ، و( قضايا في نقد العقل الديني. كيف نفهم الإسلام اليوم?).