تتأهب الكويت لولوج مرحلة اقتصادية جديدة بعد أن أقرت مؤسساتها الرسمية خطتها التنموية الأولى، متضمنة مشاريع ضخمة سيتم إنجازها خلال السنوات الأربع المقبلة تقدر قيمتها ب`37 مليار دينار كويتي (حوالي 125 مليار دولار أمريكي). ففي يناير الماضي وفي سابقة تاريخية أقر مجلس الأمة وبتوافق حكومي نيابي بالإجماع مشروع قانون الخطة الإنمائية لدولة الكويت للسنوات 2010 / 2011 - 2013 / 2014، مبشرا بذلك بخطى جيدة وجدية للنهوض بدولة الكويت في كافة المجالات.
وتتنوع المشاريع التي تتضمنها الخطة على قطاعات اقتصادية عديدة منها النفط والغاز والكهرباء والماء والبنية التحتية كالمطارات والموانئ والإسكان والصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، كما تتضمن رفع معدل النمو السنوي للناتج المحلي الحقيقي الى 5ر6 في المائة، ويبلغ متوسط قيمة الاستثمارات السنوية في الخطة 7ر7 مليار دينار كويتي تقريبا.
وجاءت الخطة التنموية كجزء من رؤية استراتيجية شاملة مدتها 25 عاما تمتد حتى العام 2035، تهدف إلى تحول الكويت إلى مركز مالي وتجارى جاذب للاستثمار يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي ويذكي فيه روح المنافسة ويرفع كفاءة الإنتاج.
كما تتضمن الرؤية الاستراتيجية أيضا تحويل جهاز الدولة إلى جهاز مؤسسي داعم للسياسات التنموية يرسخ القيم ويحافظ على الهوية الاجتماعية ويحقق التنمية البشرية والتنمية المتوازنة ويوفر بنية أساسية ملائمة وتشريعات متطورة وبيئة أعمال مشجعة.
وتتمثل عناصر هذه الرؤية في استعادة الدور الريادي الإقليمي لدولة الكويت كمركز مالي وتجاري سبق أن صنعه الأجداد بالعمل الدؤوب والنشاط التجاري داخل الوطن وعبر الحدود وهي تترجم رغبة أميرية سامية لسمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، كما تتضمن إحياء الدور المحوري للقطاع الخاص الكويتي في قيادة التنمية وهو الدور الذي سبق وأن حقق الريادة الكويتية التجارية في السابق ويؤمل أن يعيد تحقيقها على أسس حديثة.
وسوف تستند الكويت في تحقيق خطتها التنموية إلى إيرادات نفطية كبيرة، كما تعول كثيرا على استقرار أسعار النفط العالمية لتتمكن من الإنفاق بشكل جيد على الخطة، لاسيما أن النفط هو عصب الحياة الرئيس في الكويت وشكل 5ر91 في المائة من قيمة الإيرادات العامة الكلية للدولة خلال الفترة من 2002 / 2003 إلى 2007 / 2008 طبقا لأرقام وزارة المالية.
وتسعى الكويت، مع غيرها من أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك)، إلى المحافظة على أسعار للنفط تتراوح ما بين 70 و80 دولار للبرميل، باعتبار أن هذا المستوى يحقق التوازن بين مصالح المنتجين الذين يحتاجون بصفة مستمرة إلى تمويل الانفاق على تطوير واكتشاف الحقول النفطية الجديدة ومصالح المستهلكين، الذي يعانون في الوقت الحالي من تراجع اقتصادي كبير بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية.
وتوقع تقرير (الشال) الاقتصادي الأسبوعي أن تحقق الميزانية العامة لدولة الكويت فائضا ماليا قدره 3ر2 مليار دينار بانتهاء العام المالي الحالي 2010 - 2011، وذلك بافتراض ثبات مستوى إنتاج النفط وسعره عند مستوى 78 دولار للبرميل تقريبا.
وحول دور القطاع الخاص في الخطة الجديدة، قال رئيس مجلس الإدارة في غرفة تجارة وصناعة الكويت علي ثنيان الغانم، لوكالة الأنباء الكويتية (كونا)، إن القطاع الخاص في كل الدول المتقدمة اقتصاديا هو القائد لعملية التنمية ولا يمكن تحقيق تنمية حقيقية دون إعطاء القطاع الخاص دوره الفاعل في هذه العملية.
وأضاف أن الحكومة الكويتية عندما طرحت خطة التنمية ركزت في كل خطوة من خطواتها على تمكين القطاع الخاص لأنها مدركة أهمية دوره في تنفيذ الخطة وتحويلها إلى واقع ملموس.
وأشار الغانم إلى أن القطاع الخاص الكويتي معروف وله بصمات مؤثرة في كثير من الدول العربية وكثير من دول العالم حيث تقدر الاستثمارات الكويتية في الخارج بمليارات الدنانير فهي تأتي في المرتبة الأولى دائما على مستوى الاستثمارات العربية سواء في الدول العربية أو في الدول الأجنبية كألمانيا وفرنسا وايطاليا وغيرها.
وقال إن هذه الأموال الكويتية كانت تذهب للخارج للبحث عن استثمارات هناك نظرا لعدم وجود فرص مناسبة لها في داخل الكويت لكن الآن قد تغير الوضع مع إقرار خطة التنمية، مؤكدا أن كثيرا من الاستثمارات الكويتية في الخارج سوف تعود إلى موطنها الأصلي لتستثمر داخل الكويت.
وأكد الغانم وجود مؤشرات حقيقية على جدية الحكومة في تنفيذ هذه الخطة التنموية ومن هذه المؤشرات سعي الحكومة إلى إقرار عدد من التعديلات على بعض التشريعات والقوانين الاقتصادية التي كان يطالب القطاع الخاص بتعديلها دوما.
من ناحيته، أوضح رئيس اتحاد الصناعات الكويتية حسين الخرافي، ل`(كونا)، أن الميزة الأساسية في خطة التنمية تركيزها على تدعيم البنية التحتية للبلاد، مبينا أن هذا الأمر مهم للغاية لأنه بدون بنية تحتية قوية لن يكون هناك تنمية حقيقية، لاسيما مع استمرار النمو السكاني والصناعي داخل الكويت.
وأضاف أن التحدي الأساسي أمام خطة التنمية هو كيفية تنفيذ هذه الخطة بأقل قدر من الروتين والبيروقراطية الحكومية، مطالبا بتعاون كل أجهزة الدولة من أجل المضي قدما بهذه الخطة التنموية مع التركيز على تسهيل الإجراءات وخصوصا إجراءات دخول وخروج العمالة إلى الكويت نظرا لأن الخطة التنموية سوف تحتاج إلى عدد كبير من العمالة لتنفيذها.
من ناحيته، أوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت الدكتور عباس المجرن أن التوافق الحكومي النيابي على خطة التنمية جاء نتيجة لعدد من الأسباب أهمها أن هذه هي الخطة الأولى بعد فترة عانينا فيها من غياب الخطط وهو ما جعل السلطتين التشريعية والتنفيذية تحرصان على اعتمادها.
وأضاف أن السنوات الأربع الماضية شهدت ارتفاعات قياسية في أسعار النفط وهو ما ولد لدى الدولة فوائض مالية إضافية نتيجة لعوائد النفط وهذا الأمر أكد الحاجة إلى خطة تنموية مبنية على أسس علمية ومنهجية من أجل استثمار هذه الفوائض على الوجه الصحيح لذا كان هناك حماس لإقرار الخطة.
وأكد المجرن أن من الأسباب التي دفعت السلطتين للتوافق حول الخطة أيضا أن هناك جملة من الاستحقاقات التشريعية التي تتضمن تعديل بعض القوانين القائمة واستحداث قوانين أخرى جديدة وهذه الاستحقاقات أصبحت ملحة من أجل تقدم الكويت وكان من اللازم أن يتم تنفيذ هذه الاستحقاقات بشكل متناسق من خلال خطة تنموية موحدة.
وقال انه عندما طرح سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح فكرة تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري في المنطقة كانت هي المرة الأولى التي يتم فيها تحديد هدف واضح لدولة الكويت تسعى إلى تحقيقه عبر مجموعة من السياسيات الحكومية والخاصة وهو ما ترجم في خطة التنمية.
وأكد المجرن أن الكويت تمتلك عددا من العوامل التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في إنجاح خطة التنمية أهمها وجود رؤية عامة للخطة بالإضافة إلى توافر الموارد المالية اللازمة ووجود كوادر بشرية قادرة على تنفيذ الخطة وكذلك وجود بنية تحتية يمكن البناء عليها وتطويرها في الوقت نفسه.