متخصص في الفلسفة والقانون، إلا أنه جعل الاهتمام بالخطاب الفلسفي من داخل العمل الروائي رهانه الأساس لاعتقاده بأن الخطاب الفلسفي "مغرق في التجريد"، لهذا آمن بأن جنس الرواية "أبلغ" ويجعل الخطاب الفلسفي ممكنا يمشي بين الناس وبهذا تصل الأفكار بشكل مباشر. بهذا المدخل يعرف الكاتب والباحث والروائي سعيد العلام روايته "مدائن نون" التي وقعت وقدمت أمس الخميس بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، مضيفا في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن مدائن نون هي "النافذة التي يطل فيها على الخطاب الفلسفي ويمارس القول بروح الفلسفي". وعن نزوعه نحو الأسطورة كمادة في هذا العمل، قال إنها "رهان أيضا" فالأسطورة تجعل القارئ "متحررا من سلطة الواقع أولا، ثم تمكنه من استيعاب العمق الإنساني"، فالرهان الأساس للأسطورة هو أن تجعل من الخطاب الفلسفي "خطابا كونيا غير موجه للقارئ العربي فحسب بل للقارئ أينما وجد في العالم"، ما دامت الأسطورة "مشتركا إنساني" والخطاب الروائي "خطابا عاما وليس خاصا يرصد الخصوصيات العربية والإسلامية فقط". وبالتالي، فالأسطورة بالنسبة للعلام هي نافذته التي يطل بها على عوالم أخرى وعلى مجتمعات أخرى وثقافات أخرى. وقد كتب العلام على ظهر الرواية، التي أنجز غلافها الفنان نور الدين الزيات والصادرة سنة 2010 عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر، أن "مدائن نون" هي "الجزء الأول من ملحمة أسطورية من ثلاثة أجزاء ترسم ملامح الوجود الإنساني بكل تجلياته في عالم مجرد من المكان والزمان حيث لعبة خيوط الشر والخير لا تحركها أنامل القدر بقدر ما تصنعها الإرادة كحرية محكمة بمشيئة المعرفة". وأضاف سعيد العلام، الحائز على دكتوراه في العلوم السياسية وإجازة في الفلسفة من كلية الآدب والعلوم الإنسانية بالرباط، أن أحداث الرواية "تعيد نسج مبررات الصراع حل السلطة التي لا تعدو أن تكون قدرة على تجسيد الاعتقاد حيث تنمحي المسافة بين الحقيقة الوهم". وأدلى الناقدان المغربيان ابراهيم الحجري وإسماعيل بنهنية بدلوهما في قراءة "مدائن نون"، خلال هذا الحفل الذي نظمته جمعية الأبحاث والدراسات في العلوم الاجتماعية، إذ اعتبر هنية أن سعيد العلام الآتي من الدهشة الأولى إلى الرواية لم يتملص من مسألة التجنيس ، بتصنيفه هذا العمل ضمن جنس الرواية ولم يتركه مفتوحا، وبذلك لا يتهرب من التورط. وأعمل إسماعيل بنهنية معول النقد بتفكيكه للعنوان والغلاف، فاختيار العلام ل"مدائن"، التي تحيل على التاريخ، "إضفاء للقساوة على فعل يتأمله"، وهو بهذا لا يتعالى على هذا الفعل، بل هو لصيق به إلى أبعد الحدود فيما أن "نون" ذات المرجعية الدينية (ذي النون)، تحيل على عوالم مظلمة حاول العلام التخلص منها للخروج إلى النور باحثا عن الحقيقة. ولاحظ بنهنية أن نور الدين الزيات، في اشتغاله على الغلاف، أضفى على العمل عالما أسطوريا يحيل على أشكال من الدهشة، مستحضرا أشكال الأساطير العالمية الراسخة في أذهان الإنسان (عيون ...). وبالنسبة لتيمة الرواية، وصف الناقد بنهنية "مدائن نون" بأنها تحتفل بمشاهد الموت، وأن أبطالها اختاروا عن وعي شكل موتهم، وذلك بلغة فيها مواطن جذب كثيرة ونفس درامي. أما معول الناقد إبراهيم الحجري فاتخذ مسارا آخر بقوله إنه إذا كانت الكتابة الروائية الجديدة تراهن على الواقع والحلم والكثافة والتجريب، فقد عاكس سعيد العلام هذه الرؤية و"انطلق من مقومات الكتابة الروائية المعيارية ومن القيم الفلسفية المتحكمة في رؤى الإنسان إلى الوجود". وأضاف أن "مدائن نون" استدعت كل أساطير العالم التي راكمها التفكير البشري، والوقائع القديمة التي سجلتها النصوص الدينية المختلفة، والمصادر التاريخية والموسوعات الإنسانية، ليخلق أسطورته الخاصة التي أسسها من معرفته العامة في حقل الفلسفة. ولعل نقطة قوة العمل الروائي للعلام، حسب الحجري، هي قدرته الفائقة في إعادة القارئ "إلى أجواء النصوص الروائية الدرامية العملاقة التي تستدرج القارئ من أول سطر فيها إلى متعة القراءة واللغة والحبكات .. والحوار البناء والدينامكي المساهم في تأسيس الدلالة والحدث، والبناء المورفولوجي التطوري والتصاعدي للبرامج السردية المتخللة". وأشار إلى افتقاد النصوص الروائية الجديدة لهذه العناصر التي "أضحت تميل أكثر لتخريب البنية الكرونولوجية، وتكسير الخطاب، والاستغناء عن التفصيل والوصف مقابل الحرص على التكثيف والبوح والسير الذاتي، وإعطاء أهمية أكبر لبناء الخطاب". وموضوعاتيا، أبرز الناقد أن "مدائن نون" تختصر "سيرة الإنسان على الإطلاق منذ بداية الخلق إلى تطور الحضارة" كما وظف الروائي شكليا "لغة صافية تميل إلى الفصحى بدل الهجين". يشار إلى أن الحفل عرف تقديم فقرات موسيقية من إعداد كورال ثانوية الحسن الثاني، إذ أدى مجموعة من التلاميذ أناشيد ومقطوعات غنائية منها "إني اخترتك يا وطني"، بالإضافة إلى مقطوعات للفنانة العربية فيروز.