ألمانيا تدعم الشراكة الاستراتيجية والمتعددة الأبعاد والمتميزة مع المغرب بعد قرار العدل الأوربية    بوريطة يجري مباحثات مع وفد جنوب إفريقي من المؤتمر الوطني الإفريقي        أخنوش: ارتفاع مداخيل جماعة أكادير بنسبة 50% خلال ثلاث سنوات    ألمانيا ترد على أحكام محكمة العدل الأوروبية: العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب تتسم بالاستمرارية والتوسع    المغرب و البرتغال يصدران طابعين بريديين احتفاء بالعلاقات التاريخية    بورصة الدارالبيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    وقفة احتجاجية لأرباب المخابز الأسبوع القادم بالرباط    المغرب.. نمو الاقتصاد بنسبة 2,8 في المائة خلال الفصل الثالث من 2024    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال أحد قادة حزب الله بغارة دقيقة    الجيش الإسرائيلي يعلن بدء عمليات ضد حزب الله في جنوب غرب لبنان    ماسك يؤكد تأييد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية    المنتخب الوطني يخوض أول حصة تدريبية استعدادا لملاقاة إفريقيا الوسطى    تنبيه من العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية    مباريات مشوقة في الجولة الثالثة من منافسات كأس التميز    براهيم دياز يعود لتدريبات ريال مدريد    الرجاء الرياضي يتعاقد مع البرتغالي سابينتو لقيادة الفريق خلفًا للبوسني سفيكو    أقسام بدون أساتذة يضع عدد من المؤسسات على صفيح ساخن بالجديدة ومطالب لمدير الأكاديمية الجهوية بالتدخل    طقس الثلاثاء.. نزول أمطار ضعيفة وسحب ببعض مناطق المملكة    معزوز يستعرض حصيلة نصف الولاية الانتدابية لمجلس جهة الدار البيضاء سطات    مرتيل: المجلس الجماعي يصادق على الميزانية التعديلية لسنة 2024 في الجلسة الأولى لدورة أكتوبر    نجمة "الغوسبل" سيسي هيوستن تغادر دنيا الناس عن 91 عاما        قطاع الانتقال الطاقي سيحدث أزيد من 400 ألف منصب شغل بحلول سنة 2040    مسيرة حاشدة بمكناس تنديدًا باستمرار حرب الإبادة في غزة والعدوان على لبنان    إدارة سجن العرجات توضح حقيقة تعرض محمد زيان لنوبات قلبية    كيوسك الثلاثاء | المغرب يتفوق على الدول المغاربية في البنية التحتية ويتقدم 6 درجات عالميا    تراجع طفيف لأسعار النفط بعد بلوغها أعلى مستوى في أكثر من شهر    المملكة العربية السعودية تجدد تأكيد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي وللوحدة الترابية للمغرب    اختراع نبات صناعي يولد الكهرباء لشحن الهاتف    أنقرة تتحرك لإجلاء الأتراك من لبنان    النفط يرتفع لأكثر من 80 دولارا للبرميل مدفوعا بالتوترات في الشرق الأوسط    القضاء يلزم "غوغل" بفتح المتجر الإلكتروني أمام المنافسة    الرجاء يتفق مع المدرب البرتغالي سابينتو    تحليل ثقافي واحتجاج ميداني.. بلقزيز يستشرف قضية فلسطين بعد "طوفان الأقصى"    تطوان تحيي ذكرى 7 أكتوبر بالدعوة إلى التراجع عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل    الرئيس التونسي قيس سعيد يخلف نفسه بعد فوزه بأكثر من 90% من الاصوات    إقصائيات كأس إفريقيا 2025.. الركراكي يوجه الدعوة للاعب "الرجاء" بالعامري مكان مزراوي المصاب    الرجاء والجيش الملكي في مجموعة واحدة بدوري أبطال إفريقيا    النادي السينمائي لسيدي عثمان ينظم مهرجانه ال10 بالبيضاء    زهير زائر يعرض "زائر واحد زائر مشكل" بالدار البيضاء ومدن أخرى    تعليقاً على قرار محكمة العدل الأوروبية، وما بعده!!    اسئلة وملاحظات على هامش قرار المحكمة الاوروبية    المنتدى العربي للفكر في دورته 11    اغتيال حسن نصر الله.. قراءة في التوقيت و التصعيد و التداعيات    أهمية التشخيص المبكر لفشل أو قصور وظيفة القلب    جائزة نوبل للطب تختار عالمين أمريكيين هذه السنة    جائزة كتارا تختار الروائي المغربي التهامي الوزاني شخصية العام    بنحدو يصدر ديوانا في شعر الملحون    رواندا تطلق حملة تطعيم واسعة ضد فيروس "ماربورغ" القاتل    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)    دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميّ.. سيِّدة بيروت الجميلة
نشر في مغرب سكوب يوم 20 - 09 - 2010

صور ميّ الشدياق في عدد سابق في "زهرة الخليج" أصابتني بالذهول. أنا التي قلّما تستوقفني نساء الإعلانات، أو صور الأزياء المعروضة في المجلات، بقيت للحظات أدقق في تفاصيل هذه المرأة العائدة من الموت، في أناقة تشهق لها عيون النساء، وبهاء ما كان لها قبل أن تعقد قرانها على التحدِّي.
معجزتها ليست في بقائها على قيد الحياة، بل على قيد الأُنوثة والجَمَال. أجزاء من جسدها ما عادت موجودة، لكنها تواصل تزيين ماناب عنها من قطع غيار بشريّة. تضع ساعة ثمينة في معصم ما عاد معصمها، وخواتم كبيرة في أصابع تعرّفت لتوّها إليها، وتطلي بعناية أظفاراً لن تنمو إلاّ في ذاكرتها.
لأنني كتبت ثلاثية بطلها فنان بُترت ذراعه اليسرى، تعمّقت على مدى سنوات في دراسة أحاسيس مَن فَقَد عضواً من جسده، وكُتب عليه أن يعيش يُتم الأعضاء. عدتُ إلى "عابر سرير" أبحث عن قول كنتُ كتبته على لسان بطلي وهو يحاور صديقه الصحافي. يقول خالد بن طوبال في الصفحة (111): "هذا أمر لا يفهمه إلاّ مَن فَقَد أحد أطرافه. وحده يعاني "ظاهرة الأطراف الخفيّة". إحساس ينتابه بأنّ العضو المبتور لايزال موجوداً، بل هو يمتدُّ في بعض الأوقات إلى كامل الجسد. إنه يؤلمه ويشعر بحاجة إلى حكِّه، أو تقليم أظفار يد لا توجد! كذلك الأشياء التي فقدناها، والأوطان التي غادرناها، والأشخاص الذين اقتُلِعُوا منّا. غيابهم لا يعني اختفاءهم· إنهم يتحرَّكون في أعصاب نهايات أطرافنا المبتورة، يعيشون فينا كما يعيش وطن، كما تعيش امرأة، كما يعيش صديق رحل. ولا أحد غيرنا يراهم".
لا أدري، هل ستجد ميّ الشدياق نفسها في هذا الحوار، هي الْمُحاوِرَة الذكيّة التي تَمَادَت في إهانة القَتَلَة إلى حدِّ عودتها إلى بيروت، في تايور وردي في كلِّ زينتها، واختارت لحلقتها الأُولى الصحافي سركيس نعوم، آخر مَن حاورته قبل محاولة اغتيالها بساعات، كما لتقول لهم، إنّ الوقت لم يتوقف لحظة، وإنّ لا شيء ممّا أرادُوه حَدَث.
مثل بيروت التي قَامَت دوماً من ركامها ودمارها، أجمل ممّا كانت وأكثر شهيّة للحياة، وكأنهم ما أحرقوها ولا قطعوا أوصالها، مثلها تطلع لنا ميّ، الخارجة من بين فكَّي الموت، جميلة عصيَّة، شُجاعة ذكيّة، أنيقة بهيّة، مُقبِلَة على الحياة بشهيّة مَن يدري أنّ الحياة لا تَمنح نفسها إلاّ لِمَن خَانَها مع الموت، وعاش السعادة كلحظة مُهدَّدة.
إن كانت بيروت "ستّ الدنيا" حسب نزار، فلابد من إعلان ميّ الشدياق "ستّ بيروت". إنّها صورتها الأنثى التي قَامَت من تحت الرَّدمِ، المرأة التي "هَزَمَت القَتْل والقَاتِل"، حسب تعبير بيار ضاهر. رفضت أن تهزمها عَصَا، وأن يُقزِّم من قامتها كرسيّ. لذا، كلَّما أطلَّت أعطتنا درساً في الإرادة.. والسَّعادة.
إنّها تُذكّرني بما رواه لي الصديق العزيز الدكتور غازي القصيبي، أطال اللّه عمره، عن زيارته ل"نزار قبّاني" أيام مرضه في لندن. وكان نزار، رحمه اللّه، يتكئ حينها على عَصَا بسبب كسر في وركه، أذكر أنه أصابه عند سقوطه وهو يغادر المصعد.
ولم يفت الدكتور غازي القصيبي، وهو الشاعر، التنبُّه إلى حرص نزار على ألاَّ تُهين العَصَا قامته، أو تُشوّه صورة الشِّعر الذي كان يُجسِّده، أناقة وتألُّقاً.
إنّه الحَرَج نفسه الذي شعر به نزار يوم زار طه حسين في القاهرة لأوّل مرة، فلم يَدْرِ كيف يعتذر لعميد الأدب عن فقدانه البَصَر في زمن فقدان الآخرين البصائر، فصاح به:
ارمِ نظارتيكَ، ما أنتَ أعمَى
إنّما نحنُ جوْقَة العُميانِ
فما كان من القصيبي، بظرفه الشعري، إلاَّ أن صاح ب"نزار" وهو يعودُهُ:
ألقِ عكازتيكَ وحدكَ تمشي
إنّما نحنُ جوْقَة العرجَانِ
أَفَهِمْتِ يا ميّ.. يا "ستّ بيروت"، لماذا كلَّما وقفتِ أجلسْتِنا على ذلك الكرسيّ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.