التصوف يخترق بنية المجتمع المغربي اختراقا أفقيا وعموديا يمكن التصوف من مريدين ينحدرون من مختلف القطاعات والفئات والشرائح الاجتماعية والمؤسسات. فبرغم ما يقال حول الدعم السري والعلني الذي يحظى به التصوف ومؤسساته غير أن هذا النمط يعد التدين الأكثر اختراقا للمؤسسات الحساسة في المجتمع بما في ذلك مؤسسات الجيش والأمن ومحيط البلاط وشخصيات نافذة في السلطة. كما يعد التصوف من خلال الزوايا التي تمثله الطيف الديني الذي يتميز بقدرته على احتضان الشرائح الاجتماعية المتنوعة الأصول، فالزاوية حاضنة لكل الفوارق الاجتماعية المادية والرمزية إذ ينضوي تحت لوائها الفقير كما الغني الأمي كما المتعلم، بل إن من بين مظاهر القوة الجديدة التي بدأت الزوايا تحوزها استقطابها لنخب ذات مرجعيات ثقافية وأكاديمية يصنف البعض منها عادة بكونها حداثية أو لادينية. فقد أصبح من الواضح أن للتصوف في المعرب نخبا مثقفة لها قدرة حداثية على تسويق التصوف كظاهرة دينية منفتحة ذات بعد كوني على مستوى الخطاب والقيم. وتستفيد تلك النخب ذات النزعة الصوفية من التقنيات الحديثة لترويج التصوف عبر شبكات الإنترنت التي يمكن تصفحها بمختلف اللغات ( العربية والانجليزية والفرنسية والتركية الخ.) وعبر إقامة الندوات الدولية واستعمال اللغات الأجنبية والإشراف على مهرجانات عالمية للإبداع الصوفي أو ما يسمى الموسيقى الروحية والسماع أو ما شابه، كما يتوج التصوف المعاصر حضوره النخبوي من خلال الإصدارات التي تؤرخ وتُعرٌِف بتاريخ ورموز وصلحاء التصوف وفوائده المعنوية من خلال التركيز على خطاب يدافع عن التصوف ليس فقط كنزعة روحية وإنما كتدين حقيقي وكبديل أو كمشروع ديني ومجتمعي يقترح حلولا للأزمة التي تولدت عن عنف مادية الحياة المعاصرة وكبديل لأطروحات الحركات الدينية المنافسة. في المحصلة يقترح التصوف المعاصر أطروحته بوصفه دينا انسيابيا ومرنا ومنفتحا ليس فقط على الإسلام بل على سائر الأديان. وبهذا المعنى لم يعد التصوف تدينا تلقائيا أو عشوائيا. إنه من هذه الزاوية مشروع ديني كوني يخترق أنماط تدين مشابهة أو منافسة ويخاطب مريديه المفترضين ويستقطب رموز من مجتمعات مغايرة مستثمرا من قاموس التسامح الديني ومن الأصل المشترك للأديان السماوية ومن الفطرة الإنسانية السلمية بالقدر نفسه الذي يستفيد فيه من الأزمة الروحية الحضارية العميقة لدى المجتمعات.