عطفا على ما حدث في تونس ومصر، وكثير من الدول العربية الملتهبة، كان المتوقَّع أن يخرج العقيد معمر القذافي بكلمته أمس للشعب الليبي قائلا، على طريقة الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي الشهيرة: «فهمت عليكم»، لكن ما حدث هو العكس؛ حيث كان القذافي يتحدث لشعبه على طريقة: «فهمتوا علي»! الملاحظ في خطاب القذافي أن العقيد هو من صعَّد مطالبه ضد الشعب، وهو من حدد مهلة لهم ليستجيبوا إلى تلك المطالب، وإلا فإنهم سيواجهون الزحف المقدس لتطهير ليبيا. والملاحظ أيضا أن العقيد القذافي لم يقل لا تمديد، ولا توريث، ولا تصفير للعداد.. بل إنه أكد بقاءه الأبدي في السلطة، وحتى يموت، خصوصا حين قال: لو كنت رئيسا للوحت بالاستقالة بوجوهكم. كما أن العقيد القذافي شرع التوريث في ليبيا، وهو يقول، مرارا وتكرارا، إن من يرِد مناقشة القضايا القانونية والتشريعات، فعليه أن يتحدث مع ابنه سيف الإسلام القذافي! خطاب العقيد القذافي يوحي بأن النظام في ليبيا بات يعيش في آخر لحظاته. فمن حديثه اتضح أن قبضته قد تلاشت عن كثير من المدن والمناطق الليبية؛ حيث كان يحاول استمالة القبائل بكل الوسائل إلى درجة أنه أخذ يعدد أسماء العوائل، لكن خطابه يشير أيضا إلى أمر آخر مرعب؛ فحديث العقيد القذافي يعني أن الشعب الليبي بات مقبلا على أيام عصيبة، بل ومرعبة، ولا يعلم مداها إلا الله. فالعقيد يهدد شعبه بكل وضوح بأنه سيقاتل لآخر قطرة دم، وهذا يعني أن النظام سيمارس سياسة الأرض المحروقة في حال لم يستجب الشعب لمطالب العقيد، وليس العكس. لذا، وكما أسلفنا، فإن خطاب القذافي لم يكن خطاب «فهمت عليكم»، بل كان خطاب «فهمتوا علي؟»، والواضح أن رؤية العقيد القذافي لليبيا تأتي وفق «أنا الدولة.. والدولة أنا».. فبعد جملة من المغالطات بحق المتظاهرين ممن وصفهم بالخونة والجرذان ووصفهم بأنهم أتباع بن لادن، إلى القول أيضا إنهم عملاء استخبارات أجنبية، كان العقيد القذافي يذكر الليبيين بأنه من صنع ليبيا، وصنعهم، خصوصا عندما قال إن البعض كان يختلط عليه اسم ليبيا، وهذا كله يؤكد أن النظام الليبي سيفعل المستحيل للتشبث بالسلطة، ولو بتدمير ليبيا. لكن كم كان لافتا قول العقيد القذافي لليبيين إن من حقهم أن يتظاهروا سلميا ما دامت هي متعلقة بما يحدث في غزة أو العراق، لكن ليس بالشأن الداخلي الليبي! وهذه الملاحظة، وحدها، تبين مدى التخبط، والعبث، اللذين يقوم بهما النظام في طرابلس، وبعض دول منطقتنا التي تبني استراتيجياتها ومشروعيتها على شعارات فضفاضة، من «القضايا الكبرى»، إلى «قضايا الأمة»، بدلا من أن تبني مشروعيتها على خدمة مواطنيها، واحترام كرامتهم. لذا، فلا غرابة عندما نسمع العقيد القذافي وهو يقول لشعبه: «ما الذي أصابكم؟ هي عين.. آمنت بالعين»؛ حيث استغرب انتفاضة الليبيين على أمجاد القذافي التي تقود العالم، بحسب كلامه! والحق لا نملك إلا أن نقول: «حمى الله ليبيا والليبيين».