سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الهادي البكوش: كتبت بيان 7 نوفمبر من أوله إلى آخره.. والرئيس لم يغير فيه حرفا واحدا «الشرق الأوسط» تحاور الرجل الذي قدم الجمهورية والحزب لابن علي على طبق من ذهب
قال الهادي البكوش، رئيس وزراء تونس الأسبق، وأحد أعمدة نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في سنوات حكمه الأولى، إن محمد الغنوشي رجل مستقيم، وكفء في ميدان الاقتصاد، ووطني، ولا ميل له للسياسة بتاتا، وليس له ادعاء، ولا يريد أن يكون زعيما، ويعرف أن مهمته انتقالية، مشيرا إلى أنه لا يوجد في تونس الآن أفضل من الغنوشي لقيادة الانتقال إلى المرحلة الديمقراطية. وذكر البكوش، في حوار خص به «الشرق الأوسط»، أنه انفصل عن نظام «7 نوفمبر» منذ 21 سنة، وقضى أقل من سنتين، في العمل على تطبيق ما جاء في بيان التحول، من تفتح ديمقراطي، وتمكين الأحزاب السياسية من العمل. وأضاف أنه منذ مغادرته الحكومة تتبع تجاوزات كبيرة، صدرت من أناس كثيرين تجاوزوا القوانين والأعراف، ووقتها، يقول البكوش، أصبحت لديه قناعة بأنه لا يمكن لمثل هذه التجاوزات أن تستمر دون ردود فعل عميقة وعارمة. وقال البكوش إن أول خرق لبيان 7 نوفمبر (تشرين الثاني) جرى «لما وعدنا بصدق حركة النهضة بأن تتحول إلى حزب»، مشيرا إلى أن نظام «7 نوفمبر» طلب من زعيمها راشد الغنوشي أن يوضح مواقفه من المسائل الأساسية، خاصة الديمقراطية وحرية المرأة، وبالفعل قدم توضيحات بشأن ذلك، بالتالي لم يعد هناك مجال لمنعه. وذكر البكوش أنه هو الذي كتب بيان 7 نوفمبر من أوله إلى آخره، وأن بن علي لم يغير فيه حرفا واحدا. وقبله لأنه شكل قاعدة انطلاقته، وأبدى اقتناعه به، بل إنه لم يشارك حتى في إبداء رأيه فيه. وكشف البكوش أن بن علي لم يظهر في الأول تسرعا للقيام بالتحول، ولكنه منذ الأشهر الأولى أظهر تعلقا كبيرا بالحكم، وبممارسة الحكم لوحده. وأشار إلى أنه وقع تحت تأثير محيطه الذي يفتقد لنظرة سياسية، وليس له أفق وطني. وحول ما إذا كان يحس بالذنب لقيامه بتقديم رئاسة الجمهورية والحزب على طبق من ذهب لابن علي، قال البكوش: «لم يكن لدينا خيار غير ذلك، لأنني كنت أخشى من نهاية مأساوية للرئيس الحبيب بورقيبة، ومن قيام فوضى». وحول مشاهدته مرارا بعد 14 يناير (كانون الثاني) الماضي، في مقر رئاسة الحكومة بحي القصبة، وهل أصبح مستشارا للحكومة الانتقالية، وهل من دور له في المرحلة المقبلة، قال البكوش: «في الأيام الأولى بعد انتصار الثورة، وبعد تسلم فؤاد المبزع الرئاسة المؤقتة، ومحمد الغنوشي الوزارة الأولى (رئاسة الوزراء) قاما باتصالات مع أناس كثيرين ضمنهم أنا، واستشاراني هاتفيا، وبعد ذلك ذهبت إلى مقر رئاسة الحكومة مرتين أو ثلاثا. فالاستشارة كانت ظرفية حول بعض المواضيع. بحيث لم يكن لي مكتب في مقر رئاسة الحكومة، ولم يكن لدي فريق عمل، ولم أكن مقيدا بدوام، لقد ذهبت فقط لمقابلة المسؤولين». وفيما يلي نص الحوار: * هل توقعت أن ينهار نظام الرئيس زين العابدين بن علي بهذه الطريقة، لا سيما أنك كنت أحد أعمدته في بدايته؟ - أنا انفصلت عن نظام «7 نوفمبر» منذ 21 سنة، وقضيت أقل من سنتين، وأنا أعمل على تطبيق ما جاء في بيان التحول، من تفتح ديمقراطي، وجمع كل فئات الشعب، وتمكين الأحزاب السياسية من العمل، واتخاذ إجراءات الانفراج مع كل القوى السياسية. ومنذ أن غادرت الحكومة تتبعت تجاوزات كبيرة، صدرت من أناس كثيرين تجاوزوا القوانين والأعراف، ووقتها أصبحت لدي قناعة أنه لا يمكن لمثل هذه التجاوزات أن تستمر دون ردود فعل عميقة وعارمة، أضف إلى ذلك، أن نظام «7 نوفمبر» بدأ يفتح آفاقا واسعة لحماية هذه التجاوزات، فاشتد الاضطهاد واشتدت الرقابة على وسائل الإعلام، وأصبح من الصعب على أي تنظيم فيه نظام تجاوزات، ونظام لحماية التجاوزات، أن يستمر. نظريا هذا يخلق انفجارا. والانفجار تم في جهة من أعز جهات تونس، ولكنها محرومة من التنمية، وقد يكون الانطلاق لأسباب اقتصادية واجتماعية ولكن هناك دوافع أخرى تكمن في التوق إلى الحرية والديمقراطية والكرامة. * خرجت من نظام بن علي في أقل من سنتين على وصوله إلى السلطة. فما هي الأسباب الحقيقية التي دفعتك إلى الخروج هل حدث اصطدام بينك وبين الرئيس؟ - لقد كنت مع بن علي لأسباب تاريخية، وباعتباري أكبر سنا منه، وسبقته في المسؤوليات، كانت هناك علاقة بين كبير وأقل منه سنا بحيث إنني عندما كنت أتكلم لم يكن يصادمني، ولكنه، في نفس الوقت، لا يعمل بما أقول، ولما بدأنا نقوم بكل الإجراءات الديمقراطية والانفتاحية، انخرط فيها في أول الأمر، ولكن شيئا فشيئا التف حوله رجال لهم مصالح مادية، ويعتقدون أن الهدف من الحكم هو تحقيق مآرب مالية، وتعيين زيد وعمر في المكان الفلاني، حتى يسهل عليهم الغناء الفاحش. طبعا في كل هذه المراحل، مع هؤلاء الأشخاص المعينين، أصبح هناك انحراف وأصبحت شاهدا غير مرغوب فيه، شاهدا يحرج، خاصة أنه بعد عامين تقريبا توقفنا عن المسار الديمقراطي، ولم يعد لدي هناك مكان. * متى جرى أول خرق حقيقي لبيان «7 نوفمبر»؟ - أول خرق جرى لمّا وعدنا بصدق حركة النهضة بأن تتحول إلى حزب. فقبل ذلك طلبنا من زعيمها راشد الغنوشي أن يوضح مواقفه من المسائل الأساسية خاصة الديمقراطية وحرية المرأة، وبالفعل قدم توضيحات بشأن ذلك، وبالتالي لم يعد هناك مجال لمنعه. وقبل هذا الخرق جرى منع جريدة «الرأي»، التي كان يرأس تحريرها صديقنا المرحوم حسيب بن عمار. * معروف أنك حررت بيان تحول 7 نوفمبر 1987.. فهل أدخل عليه بن علي تعديلات قبل تلاوته؟ - لا. أنا كتبت البيان من أوله إلى آخره، ولم يغير بن علي فيه حرفا واحدا. وقبله لأنه شكل قاعدة انطلاقته، وأبدى اقتناعه به، بل إنه لم يشارك حتى في إبداء رأيه فيه. * وكيف بدأت فكرة إصدار البيان؟ ومتى تقرر بالضبط تنفيذ تحول «7 نوفمبر»؟ - أنا شخصيا كنت مسؤولا في الحزب وتربيت فيه، وعملت في الاتجاه البورقيبي. وأعتقد أن الحبيب بورقيبة هو من كبار الزعماء. بيد أن بورقيبة المجاهد والمحرر وباني الدولة، أصبحت تتنازعه الأهواء في آخر عمره، ولم يكن في وضع يسمح له بالحكم، وبدا انسداد في الأفق. وأصبح المسؤولون يشتكون من هذا الوضع. ولما زاد الوضع تأزما، كان بن علي مؤهلا لتسلم مقاليد الأمور لأنه كان رئيسا للحكومة، والدستور يسمح له بأن يكون خليفة لبورقيبة في حالة شغور منصب رئاسة الجمهورية. فأنا ساعدته وتعاونت معه. وأود الإشارة هنا إلى أن بن علي لم يكن يهتم كثيرا بالبرامج، وأنا كلفت بإعداد برنامج التحول، وهكذا جاء بيان «7 نوفمبر». * هل كان بن علي وقتها متحمسا لتسلم السلطة أم أنكم من أقنعتموه بالمضي قدما فيما قام به؟ - إن الفراغ حين يتكون لا يملأه سوى الشخص الذي ينص عليه الدستور، وبالتالي لم تكن عندي حيرة. فإما أن نتبع الدستور ونسانده، وإما نخرج عن الدستور وهي مغامرة كبيرة. أعتقد أن بن علي لم يظهر في الأول تسرعا للقيام بالتحول، ولكنه منذ الأشهر الأولى أظهر تعلقا كبيرا بالحكم، وبممارسة الحكم لوحده. *بعد إبعادك عن مربع القرار هل كانت هناك اتصالات بينك وبين الرئيس بن علي. هل كان يستشيرك، بين الفينة والأخرى، حول بعض القضايا، وهل كنت تتصل به؟ - كل الناس، وخصوصا المقربين مني، كانوا يسألونني، في سياق حديثهم عن التجاوزات والمظالم التي تعرفها البلاد، لماذا لا تتصل به وتبلغه بما يحصل. وكان جوابي دائما أنه نظرا لعلاقاتنا القديمة، والفرق في السن كنت كل يوم أقول في قرارة نفسي سوف يتصل بي. وفي غضون 21 سنة لم يتصل بي بن علي قط، وكنت أتمنى أن يحصل ذلك إلى آخر وقت، لأنني أعرف أنه قد يمر بصعوبات، وبحكم تجربتي يمكن أن أقول له بصراحة ما يقوله غيري. ولكنه لم يقم بالاتصال بي، وحينما كنت أطلبه هاتفيا لا يجيبني، وإذا أجابني فإنه لا يكون مستعدا لسماع ما أريد أن أحدثه به. لقد كانت هناك حاجة انتظرتها ولم تتحقق هي أن يدعوني للقائه، وكنت عازما أن أقول له صراحة حقيقة الأوضاع. * هل تعتقد أن الأمر وصل به إلى حالة الغيبوبة حيث لم يعد يعرف ماذا يجري حوله؟ - هو وقع تحت تأثير محيطه الذي يفتقد لنظرة سياسية، وليس له أفق وطني. فعناصر هذا المحيط دخلوا الحكم لتحقيق مآرب آنية وخاصة، ولم تكن لديهم رؤية مستقبلية. * ألا تحس بالذنب أنك قدمت لابن علي رئاسة الجمهورية والحزب على طبق من ذهب؟ - لم يكن لدينا خيار غير ذلك، لأنني كنت أخشى من نهاية مأساوية لبورقيبة، ومن قيام فوضى. * يقال إنك كنت دائما تعطف على بن علي لدرجة أنه في بداية الاستقلال رفض الحزب الحاكم إرساله للدراسة في أكاديمية سانسير العسكرية، وأنك تدخلت آنذاك من أجل التحاقه بالأكاديمية الفرنسية الذائعة الصيت.. ما حقيقة ذلك؟ - في عام 1956 لما نجحنا في تكوين الجيش التونسي، في نطاق الحزب الحاكم، تمت دعوة التلاميذ من المعاهد الثانوية للترشح للدراسة في أكاديمية سانسير العسكرية في فرنسا، وكان من بينهم زين العابدين بن علي، بيد أن اللجنة المكلفة دراسة الترشيحات رفضت قبوله، وكنت آنذاك طالبا في فرنسا، وجرى الأمر في الصيف، فتدخل والد بن علي لدى صديق مقاوم من أجل العمل على قبول ترشح زين العابدين. فاستنجد المقاوم بي، وتقابلنا مع المسؤولين في الجهة، وقلت لهم إنه إذا كانت هناك مآخذ على والد بن علي فيما يخص وطنيته، فلا يجب أن نعامل الابن على أساس الأخطاء التي ارتكبها والده. * بعد 14 يناير الماضي، شوهدت مرارا في مقر رئاسة الحكومة بحي القصبة. فهل أنت مستشارها، هل من دور لكم في المرحلة المقبلة؟ - في الأيام الأولى بعد انتصار الثورة، وبعد تسلم فؤاد المبزع الرئاسة المؤقتة، ومحمد الغنوشي الوزارة الأولى (رئاسة الوزراء) قاما باتصالات مع أناس كثيرين ضمنهم أنا، واستشاراني هاتفيا، وبعد ذلك ذهبت إلى مقر رئاسة الحكومة مرتين أو ثلاثا. فالاستشارة كانت ظرفية حول بعض المواضيع. بحيث لم يكن لي مكتب في مقر رئاسة الحكومة، ولم يكن لدي فريق عمل، ولم أكن مقيدا بدوام، لقد ذهبت فقط لمقابلة المسؤولين. وفي أول يوم، لما طبق الفصل 56 من الدستور، وتحمل محمد الغنوشي مسؤولية الدولة، وكون الحكومة الأولى، فإن أول ما قلته له هو أن هناك مآخذ وملاحظات على ما قام به، وبحكم علاقاتي مع الإخوة النقابيين الذين طلبوا إعادة النظر في تركيبة الحكومة حتى تستجيب لطلبات الشارع. دافعت خلال لقاءاتي مع الغنوشي عن وجهة نظرهم، وأنا مسرور لأنه، في الحكومة الثانية، تمت استشارة الجماعة كلها. وهناك موضوع ثان هام جدا يتعلق بحركة النهضة التي تجمع جزءا هاما من الشعب التونسي، وفيهم المتشدد والمعتدل. وبحكم معرفتي لبعض قيادات الحركة، تحدثت معهم، ولا أقول إنني نصحتهم بشيء. ولاحظت أن موقف أفراد القيادة العليا للحركة الذين قابلتهم، قبل عودة الشيخ راشد، رغم السجون والتعذيب، كان رصينا وهادئا. ذلك أن برنامجهم في الفترة المقبلة، يروم هيكلة حزبهم، وجمع أنصارهم، وتقديم حزب إسلامي معتدل ووسطي، وطلباتهم تكمن في الاعتراف بهم، والإسراع في تمكين زعيم الحركة من العودة من المنفى في كنف الاحترام، والمشاركة في لجنة الإصلاح، وعبروا بوضوح عن أنهم ليسوا مهتمين بالنفوذ والحكم بقدر ما يهمهم ترتيب أنفسهم. إن برنامج الحركة المعتدل سهل الأمور رغم تخوف كثيرين من بروز حركة إسلامية قوية. فأنا دافعت عن فكرة مفادها أن حركة النهضة لا بد أن تأخذ مكانها في المجتمع، ولا يوجد سبب لمنع «النهضة» من مباشرة دورها في المجتمع، وتحمل مسؤولياتها في الحكم. * قلت إن حركة النهضة أصبحت معتدلة. ألا تخشى وأنت السياسي المحنك الذي خبر دهاليز السياسة والحكم، أن يكون هذا الاعتدال مجرد تقية سياسية؟ - الديمقراطية تقتضي تمكين كل الناس من حقوقهم. وهناك طروحات لا تمكن الإسلاميين من القيام بدور فعال في بناء مجتمع حديث. وأجزاء من هذا المجتمع يتخوف منهم. وأعتقد أنه حينما تكون هناك ديمقراطية حقيقية، ويحصل نقاش حقيقي، وينخرط الجميع في العملية الديمقراطية، ربما يغلب الإسلاميون النموذج التركي. كما أن ذلك بإمكانه خلق حركية داخل الحركة الإسلامية قد ينتج عنها تقديم طروحات حديثة. لكن عندما تكون الديمقراطية منقوصة، فإن قوة واحدة تسيطر على الجميع، أما حينما تكون الديمقراطية كاملة، وصحيحة، ومنظمة، وتخضع للقانون، ولا يوجد فيها إقصاء، فإن كل واحد سيأخذ حجمه الحقيقي. وأود أن أشير هنا إلى أنه حينما عاد الشيخ راشد الغنوشي مؤخرا إلى تونس استقبل بطريقة تليق بمواطن تونسي تحمل مسؤولية وتعذب. وأنا بصفتي مواطنا تونسيا مبتهج بعودة مواطن تونسي إلى بلده، واستقباله بتلك الطريقة. وإلى جانب تلك الصورة وقفت مجموعة من النسوة التونسيات وهن يرفعن شعارات من قبيل «نعم للإسلام.. لا للإسلاميين»، كما أن سلوك أعضاء الحركة إزاءهم لم يكن معاديا لهن. * هل تفكر في الترشح لرئاسة الجمهورية؟ - لا. سني لا تسمح بذلك. * كيف تنظر إلى مآل الحزب الدستوري الديمقراطي الحاكم سابقا. هل بإمكانه أن ينهض من جديد؟ - الحزب الدستوري الديمقراطي يوجد في مرحلته الأخيرة. بالنسبة لي، بقيت عضويتي فيه شكلية. أما بالنسبة لأصدقاء كثيرين فقد جرى إبعادهم عن الحزب، لأننا تعودنا في الحزب، في السابق، على الصراحة، والعمل الميداني، وعدم الخلط بين العمل الحزبي والمصالح. نعم تم إقصاء وإبعاد عدد كبير من خيرة المناضلين، بينما صار الانتهازيون وأصحاب المصالح يشكلون الغالبية، وبالتالي أصبح التجمع مجرد آلة لخدمة هؤلاء والحكم، ولم يعد حزبا نضاليا كما نريد. إن الثورة المباركة التي عرفتها بلادنا ستشجع العناصر الطيبة في الحزب على مراجعة مسيرته، والقيام بنقد ذاتي صريح، وتحليل الانحرافات وأسبابها، والاعتذار لكل من أصابه ضرر من هذا الحزب. كما يجب عليهم أن يجتمعوا وينسجموا مع القانون الجديد، الذي يفصل الحزب عن الدولة، ويكونوا أوفياء لضميرهم، ويساهموا مع القوى الأخرى في بناء تونس. * هناك دعوات لتغيير اسم الحزب الحاكم سابقا.. هل تؤيد ذلك؟ - المراجعة تقتضي أولا إدخال الديمقراطية في الهياكل الحزبية. ثانيا تبني برنامج ديمقراطي. ثالثا أن يتجدد الحزب. فهذه هي رغبتي، وأنا أساند هذا التوجه دون أن أباشر مسؤولية في الحزب. * أعود بك إلى «الطرابلسية»، وأقصد هنا عائلة زوجة الرئيس المخلوع بن علي. كيف تسربوا إلى الحكم بهذه القوة، وهذا الجبروت. وهل يمكن اعتبارهم «برامكة» جددا؟ - لا أخفي عليك أن ما صدر عنهم لا يشرف تونس. كان هناك نهم بدائي، وأعتقد أنه كان هناك تساهل معهم من لدن الأجهزة المسؤولة عن حماية القانون. أن يسعى الإنسان إلى أن يكون ثريا، له الحق في ذلك. لكن أن يسخر القانون، ويخضع رجال الدولة لخدمة رغباته، فذاك خطأ كبير. ولا بد في المرحلة المقبلة من العمل على تجنب ما وقع حتى لا يتكرر في المستقبل. * لماذا الصمت على هذا النهب وهذا الجشع.. ألا ترى أن تونس تعرضت لمؤامرة الصمت قبل أن تتعرض لأي شيء آخر؟ - هذا صحيح. فقد قل من ندد علنا بهذه التجاوزات رغم أن كل الناس، بما فيهم الوزراء، كانوا ينددون بها في مجالسهم. والسبب أن هناك أنظمة تنشر الخوف، ويصبح كل المجتمع من أعلاه إلى أسفله خائفا. ومن يقل كلمة حق يلق رد فعل قويا. أنا مناضل منذ الصغر، وكنت وزيرا ومسؤولا حزبيا، ووزيرا أول، وعلى معرفة بجميع الناس. وأذكر أن قياديا في حركة النهضة جاءني مرة، وكنت خارج الحكم، ليقول لي: أنت شخصية لها مكانتها، وأرجوك أن تقول كلمة خير للحد من التوتر القائم بين الحركة والحكومة، والعمل على تهدئة الأجواء. وللأسف لم يمنع هذا بعض الجهات من تقديم تقرير مفصل إلى رئيس الجمهورية مضمونه أنني أعد انقلابا ضده بالتواطؤ مع حركة النهضة. وقد تعرض زوج أختي، وهو نائب في البرلمان لموقف حرج يتمثل في قيام مسؤول الأمن بالاحتفاظ به ليوم كامل، في محاولة لإقناعه بإعطاء بعض الحجج التي تؤكد تورطي في المؤامرة. ومن الألطاف الإلهية أن هناك من اتصل بذلك المسؤول حتى يتراجع عما يقوم به. وثمة شيء مهم الآن في تونس هو أن الخوف ولى إلى غير رجعة. * متى تم ذلك؟ - في سنة 1993. * وكيف انتهى الأمر؟ - لم تتم متابعتي، والذين حبكوا المؤامرة تم إعفاء بعضهم من مهامهم. * هناك حديث يروج في الشارع التونسي مفاده أن زوجة الرئيس كانت تعلم بأشياء كثيرة قبل أن يعلم بها الرئيس بما فيها تقارير المخابرات.. ما تعليقك على ذلك؟ - أن تعلم أشياء كثيرة هذا أمر ممكن، أما أن تعلم ذلك عن طريق تقارير المخابرات فإني لا أعتقد ذلك. فالموضوع بالنسبة لليلى بن علي ليس هو هل تعلم أم لا تعلم؟ فهي كانت لديها برامج، ولها سلطة على زوجها. وبحكم أنها لها سلطة على كل من يعمل مع زوجها، أصبح بإمكانها أن تنفذ أي برنامج تريده. * يروج أيضا أن عبد العزيز بن ضياء، مستشار الرئيس بن علي، وعضو الديوان السياسي للحزب الحاكم السابق، أخذ قبيل سقوط النظام، صهر الرئيس صخر الماطري سرا إلى منطقة الساحل لإقناع الناس بوجاهته، فرفض أهل الساحل ذلك، الشيء الذي أغضب بن علي، إلى درجة أن بن ضياء أصيب بعد ذلك بأزمة قلبية. ما مدى صحة ذلك؟ - إصابة عبد العزيز بن ضياء بأزمة قلبية خفيفة لا علاقة لها بموضوع صخر الماطري. لقد كنت مسؤولا سياسيا عن الساحل عام 1959، ولدي علاقات متينة بمناضلي الحزب هناك. وبالفعل عقد بن ضياء اجتماعا اصطحب معه فيه الماطري. وبلغني كذلك أن الدستوريين لم يستحسنوا ما قام به، ورأوا أنه لم يكن هناك داع لأن يصطحب عضو الديوان السياسي للحزب، الماطري إلى سوسة. فالماطري عنده نشاط سياسي وصناعي، ويريد أن يكون عنده دور سياسي، بدأه في المرسىوتونس العاصمة، وهذا ما آثار استهجان عدة جهات داخل الحزب لأنه لا يتوفر على شرعية. * كيف تنظر إلى مستقبل تونس على ضوء المستجدات الراهنة، وهل في نظركم أن الديمقراطية ستتحقق فعلا؟ وهل لديكم تخوفات؟ - أعتقد أن الثورة التي انطلقت من سيدي بوزيد والقصرين، هي ثورة عميقة وتحمل تطلعات شعب بكامله، وهي تطلعات ليست ظرفية. وعندنا حكومة، تتحمل المسؤولية حسب مقتضيات الدستور، تبنت مقتضيات الثورة وأعلنت استعدادها لتطبيقها. إن هذه الثورة التي انطلقت من القاعدة تختلف عن تحول السابع من نوفمبر الذي انطلق من القمة، بحيث يصعب، في رأيي، التراجع بشأن متطلبات هذه الثورة، وتطلعات الشعب، خاصة أن الشيء الذي يخيف هو أن لا تقدر الحكومة على السيطرة على الأوضاع في الشارع، وأن تكثر الخلافات بين القائمين على الشأن العام. وإذا لم تتحقق درجة دنيا من الاستقرار فإن أهداف الثورة وتطلعاتها قد تصيبها نكسة. وحتى إن أصيبت بنكسة فإن قناعتي هو أن هذه الثورة التي خرجت من الجذور سوف تنتصر. * طيب، ما هو موقفك من الدعوة إلى تشكيل لجنة لحماية الثورة التي دعا إليها أحمد المستيري وأحمد بن صالح ومصطفى الفيلالي؟ - الدعوة شيء، لكنني لا أرى من الناحية العملية كيف يمكن تكوين لجنة لحماية الثورة، فالثورة كلنا ماضون فيها، إن التنظيم الوحيد الذي تبنى الثورة في تونس هو الاتحاد العام للشغل، ليس قيادته، وإنما قيادات فروعه في المناطق، وبالتالي إذا كان هناك تنظيم عنده شرعية لتولي مسؤولية حماية الثورة فهو الاتحاد العام للشغل. إنني لا أرى حاجة إلى تكوين لجنة لحماية الثورة فالمستيري والفيلالي وبن صالح رجال محترمون، ووجوه متميزة في الحركة الوطنية، ولكنني عمليا لا أرى كيف يمكنهم أن ينفردوا بحماية الثورة. فلا بد من دعوة الناس جميعا إلى حمايتها. * ما هو الانطباع الذي خرجت به من لقائك مع محمد الغنوشي عقب سقوط النظام؟ - أنا أعرف الغنوشي منذ زمن طويل، فهو رجل مستقيم، كفء في ميدان الاقتصاد، ووطني، لا ميل له للسياسة بتاتا، وليس له ادعاء، ولا يريد أن يكون زعيما، ويعرف أن مهمته انتقالية، وأعتقد أنه لا يوجد في تونس الآن أفضل من الغنوشي لقيادة الانتقال إلى المرحلة الديمقراطية.