أخذت الحرب الدائرة بين الجزائروفرنسا حول الماضي الاستعماري بين تمجيده وتجريمه بعدا جديا، إذ وبعد أن أوشكت على وضع أوزارها على الصعيد السياسي بدأت الأحداث تتسارع على الصعيد الثقافي ما تعكسه مشاريع فنية لا تزال في المهد في باريس أين يتم فيها تمجيد الاستعمار، في حين تسعى الجزائر للتصدي للحملة الجديدة بإنتاج أفلام تجريمية للاستعمار. فقد أعلنت مؤسسة ذاكرة الجزائر في باريس عن شروعها في إنتاج عمل سينمائي بتكليف من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي أوكل المهمة لرجل ثقته ومنسق الحملات الانتخابية لأحزاب اليمين ''كلود بي بيار'' رئيس المؤسسة المنشأة بميزانية 10 ملايين أورو، ويتولى هذا الأخير تسييرها، لقيادة سياسة فرنسا في تمجيد الاستعمار بعد فشل تقنينه بسبب تحرك أبناء الجالية ودفع المجلس الدستوري هناك لحذف المادة 4 منه. وانتقل الصراع إلى ميدان الفن والثقافة ليأخذ منه حلبة جديدة، حيث تستعد ''مؤسسة ذاكرة الجزائر'' في فرنسا لبعث فيلم حول أحد رموز الثورة الجزائرية، الشهيد العربي بن مهيدي، يعتمد فيه السيناريو على تشويه معلن لذاكرة الثورة الوطنية، حيث يتعمد إظهار فرق المظليين الفرنسيين بالقصبة، في صفة ''الملائكة'' الذين يمثلون طوق النجاة للجزائريين من ''إرهاب'' المجاهدين. ولم يكتف التشويه عند ذلك الحد، بل امتد إلى الشهيد البطل العربي بن مهيدي الذي يحضر في سيناريو الفيلم على أنه كبير الإرهابيين الذي يلقى حتفه في نهاية القصة. ويرى المتتبعون أن التحرك الفرنسي جاء بعد الأثر الكبير الذي تركه فيلم ''الخارجون عن القانون'' وبصورة أقل ''مصطفى بن بولعيد'' اللذان أعطيا صورة عن الثورة المجيدة، كما أظهر الفيلمان الصورة الاستبدادية للمستعمر والإجرام الفرنسي المعلن، وهو ما لم تستسغه باريس، التي لا ترى حرجا في الاعتماد على متطرفيها لكبح زحف شعبية الفيلم لدى الرأي العام الفرنسي والأوروبي، خصوصا بعد الإقبال الكبير لأبناء الجالية الجزائرية والمغاربية هناك لمشاهدته، فضلا عن تهافت فرنسيين وأجانب على دور العرض لاكتشاف الحقائق التاريخية التي تختزلها صور فيلم رشيد بوشارب. ومن جهتها سارعت الجزائر للتصدي للحملة الفرنسية الشرسة، ولو بصورة محتشمة إلى حد الآن، إذ أخذ مخرج الأفلام الوثائقية الجزائري ''مليك آيت عودية'' زمام مبادرة الرد على تلك الحرب التمجيدية للاستعمار. وقد شرع المخرج آيت عودية في إنتاج فيلم وثائقي حول العربي بن مهيدي بعنوان ''الأيام الأخيرة لبن مهيدي''، رغم عدم تكافؤ الإمكانيات، حيث لم يعتمد المخرج الجزائري في تمويله لمشروعه سوى على الدعم المخصص من قبل صندوق دعم الإبداع، في انتظار حصوله على الدعم الإضافي الموعود، خاصة فيما تعلق بتكاليف شراء حقوق بث الصور التاريخية والوثائقية. لكن ما يثير الجدل في الوقت الحالي لدى المتتبعين في مجال الفن والسينما وحتى الأسرة الثورية، هو تجرؤ إحدى دور الإنتاج الجزائرية التي استقدمت كاتب نص من بلد عربي صور بن مهيدي عشيقا لبنات أحد الضباط الفرنسيين، متجاهلا شجاعته وبطولاته وشخصيته الأكبر من ذلك، وهو ما يعتبر تحريفا للحقائق. وتتزامن هذه الأحداث مع خرجة السينمائي جون بيار ليدو الذي لم يتردد بدعم من المعهد الفرنسي في تل أبيب، في عرض أفلامه الممولة من قبل وزارة الثقافة الجزائرية، حيث تم تحريف سيناريوهاتها التي حولها إلى منابر للإساءة لتاريخ الثورة، وتم عرض الأفلام في عملية تحد للجزائر بكل من تل أبيب وحيفا مثلما أعلن عن ذلك عبر قناة ''قيسن تي في'' الإسرائلية.