في رسالة وجهت إلى الملك محمد السادس الشرق الأوسط : الرباط - لطيفة العروسني دعا تحالف المحكمة الجنائية الدولية، وهو شبكة عالمية تضم أكثر من 2500 منظمة غير حكومية، مقره نيويورك، المغرب إلى المصادقة على قانون المحكمة الجنائية الدولية، وذلك عبر رسالة موجهة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس. وكان المغرب قد وقع عام 2000 على معاهدة روما لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه لم يصادق رسميا عليها، وذلك بسبب عدم تلاؤم أحكام معينة من النظام الأساسي للمحكمة مع الدستور المغربي والتشريعات المحلية، خصوصا فيما يتعلق ب«السيادة الوطنية، ومبدأ الحصانة، والعفو، وتسليم الأشخاص، وإسقاط المتابعة بتقادم الجرائم». ودعا التحالف المغرب إلى المصادقة على نظام المحكمة قبل أول أبريل (نيسان) المقبل ليتمكن من المشاركة كدولة طرف تملك حق التصويت في مؤتمر المحكمة الجنائية الدولية، الذي سيعقد في يونيو (حزيران) المقبل، وسيتناول مواضيع هامة مثل التعريف بجريمة العدوان، بالإضافة إلى المشاركة في انتخاب القضاة. وناشد وليام بيس، مدير التحالف، الملك محمد السادس «بالنظر في مصادقة المغرب في أقرب وقت ممكن، لأن من شأن ذلك أن يضمن للمغرب إدماج المعايير العليا لحماية حقوق الإنسان في نظامه القانوني، وأن المحاكم المغربية ستكون قادرة على محاكمة أخطر انتهاكات حقوق الإنسان، والجرائم الأكثر خطورة». وذكر بيس في رسالته أنه من «الضروري أن تكون جميع المناطق والثقافات والأنظمة القانونية في العالم ممثلة في جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، وأن مصادقة المغرب من شأنها تعزيز الصوت العربي في المحكمة الجنائية الدولية، علاوة على أن المصادقة ستشجع الدول المجاورة في المنطقة على الانضمام إلى المحكمة». وفي السياق ذاته، قال هشام الشرقاوي، منسق الائتلاف المغربي من أجل المحكمة الجنائية الدولية، إن تعارض قانون المحكمة مع الدستور المغربي «مردود عليه»، مشيرا إلى أنه فيما يتعلق بالسيادة الوطنية، يظل قانون المحكمة قانونا تكميليا، لا يتدخل إلا في حالة عجز القضاء المحلي، فإذا قام هذا الأخير بدوره فلن نكون بحاجة إلى محكمة جنائية دولية»، مضيفا أنه «عندما انخرطت الدول في المعاهدات الدولية فإنها تنازلت عن سيادتها منذ زمان»، على حد تعبيره. أما بخصوص متابعة المسؤولين المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، طبقا لقانون المحكمة، أوضح الشرقاوي أن هذا الأخير لا يطبق إلا من تاريخ مصادقة الدولة عليه، أي أن الدولة المغربية لن تتأثر بقانون المحكمة الجنائية الدولية إلا في حالة الاختفاء القسري للأشخاص ضحايا الانتهاكات الجسيمة، التي لم يتم الكشف عنها، لأنها تعد جريمة مستمرة في الزمان، طالما لم يتم تحديد مكان وزمان اغتيال المختفي. وأشار الشرقاوي إلى أن الدولة يمكنها كذلك أن تعلن بعد المصادقة على قانون المحكمة، عن ضرورة تطبيق القانون بأثر رجعي إلى حدود عام 2002، وهو تاريخ البدء في تنفيذ قانون المحكمة الجنائية. وفيما يتعلق بملاءمة التشريعات المحلية للمغرب مع المعاهدات الدولية، ذكر الشرقاوي أن هناك مشروع القانون الجنائي الجديد المطروح حاليا أمام الأمانة العامة للحكومة، الذي من المقرر أن يتضمن فصولا عن جرائم الحرب والإبادة، والجرائم ضد الإنسانية، التي لا يتضمنها القانون الحالي، بالإضافة إلى أن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، التي عالجت ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المغرب إبان سنوات الاحتقان السياسي، والتي صادق عليها الملك محمد السادس، تضمنت الدعوة إلى المصادقة على قانون المحكمة الجنائية، وبالتالي يرى الائتلاف أنه لم تعد أمام المغرب مبررات لعدم المصادقة على القانون. وبرر الائتلاف توجيه رسالة مباشرة إلى الملك محمد السادس من أجل المصادقة على قانون المحكمة الجنائية، بكون الفصل 31 من الدستور المغربي ينص على أن «الملك يوقع ويصادق على المعاهدات». وردا على سؤال حول تأثير العوامل السياسية على قرارات المحكمة الجنائية الدولية وتهديد مصداقيتها بسبب ذلك، قال الشرقاوي إنه لا يمكن تجاهل تأثير العوامل السياسية على جميع القوانين، ومن أجل ذلك تسعى المنظمات الحقوقية إلى أن تكون المحكمة الجنائية الدولية «حيادية وعادلة ومستقلة». أما توقيت إطلاق هذه الحملة فمرده، حسب المسؤولين في الائتلاف، إلى أنه تم التراجع عن الكثير من المكتسبات في مجال حقوق الإنسان على الصعيدين المحلي والعالمي، وبالتالي فإنهم يريدون «ضمانات بعدم تكرار الانتهاكات في المستقبل»، و«تكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب»، «والتأصيل الدستوري لمبدأ سمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية على القوانين المحلية». يذكر أنه منذ يوليو (تموز) 2008، صادقت 108 دول على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، من بينها 3 دول عربية فقط هي: الأردن وجيبوتي، اللتان انضمتا إليها عام 2002، وجزر القمر عام 2006. ويرى تحالف المحكمة الجنائية الدولية أن عدم انضمام الدول العربية إلى المعاهدة يضعف موقفها، في حين أن الدول التي تنضم إليها «تعد أكثر حماية لسيادتها»، وأعطوا مثالا على ذلك بالسودان، فعلى الرغم من عدم مصادقتها على نظام المحكمة الجنائية الدولية، فقد أحال مجلس الأمن قضية دارفور إلى المحكمة، ومنح المدعي العام حق المطالبة باعتقال مسؤولين كبار في الدولة بمن فيهم الرئيس عمر البشير نفسه.