أسفرت نتيجة فرز أصوات أعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عن اختيار الدكتور شوقي إبراهيم عبد الكريم، أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر فرع طنطا محافظة الغربية، مفتيا للديار المصرية خلفا للدكتور علي جمعة، بحصوله على أعلى نسبة أصوات، في الاقتراع السري الذي جرى بمقر مشيخة الأزهر الشريف. ومعروف عن عبد الكريم عدم ارتباطه بأي تيار سياسي أو ديني وينحاز إلى الوسطية الأزهرية في شؤون الدين. وقال عبد الكريم ل«الشرق الأوسط»، في أول تصريح له: «منصبي ديني، ولن أتحدث في السياسة». وكان أعضاء هيئة كبار العلماء، قد انتهوا، أمس (الاثنين)، من التصويت على اختيار المفتي الجديد من بين ثلاثة أسماء، في اجتماعهم برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، لاختيار مفتي البلاد الجديد، خلفا للدكتور جمعة الذي تنتهي ولايته في مطلع مارس (آذار) المقبل، لبلوغه السن القانونية للتقاعد. وقال الدكتور الطيب أمس إن «هيئة كبار العلماء رشحت نحو 9 من المستوفين لمنصب المفتي وممن رأتهم تنطبق عليهم الشروط كاملة، وتم اختيار ثلاثة، وهم: الدكتور عطية السيد السيد فياض أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر بالقاهرة، والدكتور فرحات عبد العاطي سعد أبو وقفة أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، إلى جانب الدكتور شوقي إبراهيم عبد الكريم (52 عاما)». وأعلن الدكتور الطيب، أنه سيتم رفع الأمر إلى الرئيس مرسي لإصدار قرار بتعيين من يقع عليه الاختيار من بين الثلاثة، متضمنا توصية باختيار الدكتور شوقي إبراهيم عبد الكريم، بالإجماع داخل هيئة كبار العلماء، للتصديق عليه واعتماده مفتي مصر الجديد وفقا للمادة 32 مكرر من قانون الأزهر التي ينظم عمل هيئة كبار العلماء، وذلك قبل مطلع مارس المقبل وهو موعد بلوغ المفتي جمعة (61 عاما) السن القانونية، الذي تم التجديد له لمدة عام بعد أن بلغ ال(60 عاما) من قبل المجلس العسكري الحاكم سابقا في فبراير (شباط) عام 2012. وقال الدكتور عبد الكريم: «أتوجه بالشكر الجزيل لهيئة كبار العلماء ولفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب على هذا الاختيار، وهذه ثقة كبيرة، أدعو الله أن يعينني عليها»، مضيفا أن «الخطط المستقبلية لمنصبي والرؤى سأحددها بعد مقابلة الرئيس محمد مرسي وتكليفه لي»، وتابع قائلا إنه «سوف يكون هناك وضوح كامل لكل هذه المعلومات»، وأوضح: «أدرك ما تمر به مصر الآن من أحداث، لكن منصبي في دار الإفتاء سيكون دينيا فقط ولن أتحدث في السياسة». وقالت مصادر مقربة من المفتي الجديد، إنه «ليست له انتماءات سياسية ولا ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وعلاقته طيبة بزملائه وطلابه، ومشهود له بالكفاءة». وشهدت مشيخة الأزهر الشريف، أمس، انتخاب أول مفتى للبلاد بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وبعد تعديل قانون الأزهر رقم 103 بعد إقراره من قبل المجلس العسكري الحاكم سابقا وموافقة الرئيس مرسي على تشكيل هيئة كبار العلماء برئاسة الدكتور الطيب، وتضم 26 عضوا، أبرزهم الدكتور يوسف القرضاوي، (87 عاما)، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (المقيم بقطر)، الذي حضر اجتماع الهيئة أمس لأول مرة منذ تشكيلها. وتنص اللائحة الداخلية لهيئة كبار العلماء على أن يشترط في اختيار المفتي الجديد أن يكون عالما بأصول الفقه والشريعة الإسلامية، وأن يكون معروفا بالتقوى والورع في ماضيه وحاضره، وأن يكون أزهريا منذ بداية دراسته، وأن يكون حائزا شهادة الدكتوراه، وأن يكون ملتزما بمنهج الأزهر علما وسلوكا، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وألا يكون له ميول سياسية أو حزبية. كما ينص الدستور المصري في مادته الرابعة على أن هيئة كبار العلماء، التي تشكلت في يوليو (تموز) عام 2012، هي من تختص بترشيح مفتي البلاد، سواء من داخلها أو من خارجها، لكن هيئة العلماء لم ترشح أحدا للمنصب بسبب السن، حيث إن جميع أعضاء الهيئة تعدوا سن ال(60 عاما)، وهي السن التي تم تحديدها لشغل منصب مفتي الديار. وقام بعملية فرز الأصوات الدكتور علي جمعة المفتي السابق، بصفته رئيس لجنة الفرز في الهيئة، بإشراف المستشار محمد عبد السلام المستشار القانوني لشيخ الأزهر. وتعد تلك الانتخابات هي أول انتخابات في تاريخ الأزهر الشريف المؤسسة الدينية الرسمية، وذلك في جو من الديمقراطية والشفافية. ويذكر أن مفتي مصر كان يتم تعيينه مباشرة من جانب رئيس الدولة في النظام السابق، مع الرجوع إلى شيخ الأزهر فقط كي يزكي اسما واحدا ثم ينظر الرئيس في تعيينه. وقالت مصادر داخل مشيخة الأزهر ل«الشرق الأوسط» إن «الدكتور الطيب اعتذر عن عدم الاشتراك (بصوته) في انتخابات المفتي، وذلك لعدم التأثير على الهيئة، كما رفض الاطلاع على أعمال اللجنة المشكلة من قبل الهيئة لبحث الترشيحات المقدمة من أعضاء هيئة كبار العلماء، مفضلا أن يطلع على الأسماء مثله مثل باقي أعضاء الهيئة». وأضافت المصادر، أن «الدكتور عبد الرحمن البر، عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، لم يحصل على أصوات تؤهله للمنافسة على المنصب، حيث تقدم للمنصب 25 مرشحا وتنافس في الجولة الأخيرة 9 أسماء فقط، خلا منها اسم البر». وأكدت المصادر، أن «هيئة كبار العلماء رأت أن أحد الشروط التي تم الاتفاق عليها مسبقا وهو عدم الانتماء إلى تيار سياسي بعينه لا ينطبق على البر». والمفتي الجديد سيكون المفتي رقم 19 في تاريخ دار الإفتاء المصرية التي أنشئت عام 1895 ميلاديا، حيث كان الشيخ حسونة النواوي هو المفتي الأول للديار، وتولى أمر الإفتاء في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1895، واستمرت مدة توليه 3 سنوات و6 أشهر و12 يوما. * المفتي الذي اختاره الأزهر في سطور * من مواليد عام 1961 مركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة (شمال القاهرة)، متزوج، ولديه 4 أولاد، يعمل رئيس قسم الفقه العام بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر فرع طنطا. * تدرج في مناصبه داخل قسم الفقه المقارن بداية من معيد إلى أن حصل على الأستاذية وشغل منصب رئيس القسم. حصل على الماجستير عام 1990، وحصل على الدكتوراه عام 1996 من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، في موضوع «إيقاف سير الدعوى الجنائية وإنهاؤها بدون حكم في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي» (دراسة مقارنة). * من أبرز مؤلفاته «تحديد الجنس وتغييره بين الحظر والمشروعية»، و«معيار تمييز جنس الإنسان في الفقه والطب»، وله أيضا كتب في الحقوق السياسية للمرأة المسلمة، والتفريق القضائي بين الزوجين للعلل أو العيوب عند الفقهاء.