تجري هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف في اجتماع مقرر لها انتخابا سريا ومباشرا لاختيار من يشغل منصب مفتي مصر، خلفا للمفتي الحالي علي جمعة الذي يحال للتقاعد لتجاوزه سن الستين بحسب القوانين المعمول بها. وهي المرة الأولى التي يجري فيها انتخاب لهذا المنصب الذي كان يتم تعيينه من طرف الرئيس مباشرة. وبحسب مصدر بالأزهر فإن الترشيحات ستعرض على هيئة كبار العلماء في اجتماعها تمهيدا لاختيار ثلاثة من المرشحين، ثم تجري عملية الانتخاب، والفائز بأعلى الأصوات سيصبح مرشح هيئة كبار العلماء لشغل المنصب، ثم يعرض على الرئيس المصري محمد مرسي لإصدار قرار تعيينه. ومن بين الأسماء التي تقدمت لهيئة كبار العلماء لتولي منصب المفتي، أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الدكتور عبد الفتاح إدريس، وأستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الدكتور سعد الدين هلالي، وعميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الدكتور رمضان محمد عيد، وأستاذ ورئيس قسم الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتور عباس عبد الله شومان، وعميد كلية أصول الدين بالزقازيق الدكتور محمد أبو هاشم. ويشير البعض إلى ترشيح الدكتور عبد الرحمن البر (50 عاما)، وهو عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين وسجن في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك وشارك في صياغة الدستور الجديد. لكن البر عندما سئل عن تأكيد ترشيحه قال لرويترز إنه لم يفكر أو يطلب هذه الوظيفة، وإنه لا يعرف عنها شيئا إلا من خلال الصحف. وقد حرصت جماعة الإخوان في بيان لها على نفي ترشيحها البر. وفي هذا السياق قال الدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر، إن الأزهر يتخذ مواقفه إيمانا منه بدوره العميق في ضرورة تغليب المصلحة العليا للبلاد وتحقيق السلام والتماسك لشعبها. لافتا إلى أن مؤسسة الأزهر لا تطمح إلى مكاسب سياسية "كما أن الأزهر لا يمتلك أجندة سياسية ولا يسعى إلا لصالح البلاد والعباد". كما استبعد وكيل وزارة الأوقاف سالم عبد الجليل أن يؤثر الصراع بين القراءتين "الوسطية الأزهرية، والسلفية الإخوانية" على تمسك الأزهر بأن يكون عنوانا للوسطية والاعتدال، وعاملا على تكريس الوحدة الوطنية بقطع النظر عن الأفكار التي تحملها الأحزاب أو الجماعات. يشار إلى أن لمفتي الديار المصرية سلطة إصدار الفتاوى في أي مسألة مما يؤثر على القضايا الاجتماعية والثقافية وما يتعلق بالسلوك العام والأحكام القضائية. يشار إلى أن علماء الأزهر منذ اندلاع الثورات العربية يرفعون راية استقلال الأزهر الشريف عن الدولة، ورفض تغول السلطة على مؤسسة الأزهر التي فقدت دورها وبريقها، حيث ظهرت مطالبات بجعل منصب شيخ الأزهر والمفتي بالانتخاب للأصلح والأنقى وليس بالتعيين. وكان الأزهر قد فقد بعضاً من بريقه حين أخضعه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لسلطة الدولة عام 1961، وبعد مرور 40 عاماً كان شيوخ الأزهر يحملون على دعم النظام الأمني الصارم الذي عزز حكم مبارك ثلاثة عقود. ونتيجة لارتباط سمعته بسمعة زعيم لا يحظى بشعبية، خفت بريق الأزهر. وفي عام 2010 أشرف رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف على تعيين الدكتور أحمد الطيب خلفاً للشيخ سيد طنطاوي، حيث وصف الطيب بأنه أكثر ميلا للاستقلالية عن نظام مبارك الذي تغول في هذه المؤسسة بهدف إخضاعها إلى سياساته. ولما جاءت ثورة 25 يناير توجهت الأنظار من جديد إلى هذه المؤسسة العريقة، بغرض الإمساك بفرصة التجديد الشامل فيها. وحين خرجت الملايين إلى الشوارع لمطالبة مبارك بالتنحي لم تصدر الفتوى المتوقعة من الأزهر لمطالبة المصريين بالاتحاد وراء رئيسهم، وإنما اكتفى الأزهر بإصدار بيان يحث على ضبط النفس. ويعد انتخاب مفتي الديار المصرية أحد أبرز نتائج ثورة 25 يناير على هذا الصعيد.