نعم تونس التي غنى لها فريد الأطرش «تونس الخضراء»، وأثنى على الوصف كل من زارها، بدأت تدخل طريقا خطيرة ستجعل منها - لا قدر الله - تونس الحمراء. لقد استفاق التونسيون ومتابعو أخبار تونس أمس على صدمة حدوث جريمة اغتيال سياسي بشعة، ذهب ضحيتها المناضل السياسي المعارض التونسي شكري بلعيد أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين وقيادي في حزب الجبهة الشعبية. والضحية هو محام وسياسي بدأ النضال منذ أن كان طالبا واختار أن يكون مدافعا عن التونسيين داخل المحاكم وخارجها. لقد دخلت تونس يوم 6 فبراير (شباط) 2013 طورا متقدما من العنف السياسي وهو طور الجريمة السياسية. وهي ظاهرة جديدة على تونس ويعود آخر تاريخ لها إلى زمن الاستعمار الفرنسي، عندما اغتالت اليد الحمراء المناضل النقابي فرحات حشاد. لذلك كان اغتيال شكري بلعيد صدمة مضاعفة أذهلت مختلف التونسيين وأفزعتهم باعتبار أن هذه النقلة النوعية بالمعنى السلبي في الحياة السياسية التونسية تبدو مقدمة لتدشين ثقافة الجرائم السياسية والتصفيات الجسدية. كما يبدو أنه بعد التقدم شوطا في مجال الجريمة الثقافية من خلال اغتيال الأولياء الصالحين الراقدين في قبورهم، تم الانتقال إلى نوع آخر من الجرائم غير المسبوقة في تاريخ الدولة الوطنية التونسية الحديثة منذ الاستقلال إلى اليوم، وهو الجريمة السياسية. وكي نفكك بعض أسباب ما وصفناه بالنقلة النوعية السلبية في التحول من العنف اللفظي ومن العنف المادي مثل الاعتداء على مقرات الأحزاب وقطع اجتماعات بعض الأحزاب وغير ذلك، والنزول منهما إلى طور العنف الدموي من خلال تصفية سياسي في عز الصباح وهو خارج من بيته متجها نحو مقر حزبه، من المهم ربما لفهم هذا الانتقال السريع في نوعية العنف وآلياته، الإشارة إلى أن المغدور به شكري بلعيد تواتر حضوره في الصحف والقنوات التونسية خلال الأيام الأخيرة، شهد تصاعدا غير مسبوق. وهو حضور متعدد جاء على خلفية اقتحام جماعات سلفية يوم 31 يناير (كانون الثاني) الاجتماع الشعبي لأنصار حزب الوطنيين في ولاية الكاف، وقد تعرض الفقيد شكري بلعيد أثناء تلك المواجهات الساخنة بين أنصار حزبه والجماعات السلفية إلى العنف اللفظي. ويبدو أن ما لم يتمكن المعتدون من تحقيقه يوم 31 يناير ليلا، نجحوا في تنفيذه في صبيحة الأربعاء 6 فبراير. وإلى جانب هذه الجزئية المهمة التي تضع الجريمة في سياقها، فإن الراحل شكري بلعيد كان ناقدا لاذعا لأداء الحكومة وكثيرا ما كان يدعوها إلى الاستقالة إضافة إلى مواقفه الرافضة لوجود ما يسميه ميليشيات رباطات حماية الثورة التي كان يتهم النهضة بتوظيفها لصالحها ومساندتها. لذلك فإن أكثر أصابع الاتهام متجهة نظريا نحو الجماعات السلفية الجهادية أو رباطات الثورة. وفي الحقيقة لا يعني ذلك أن الترويكا الحاكمة بعيدة عن الاتهام. فهي داعمة بقوة لحق رباطات حماية الثورة في الوجود، كما أنها تباطأت في معالجة ملف السلفية الجهادية. لقد عاش التونسيون أول من أمس صدمة غير مسبوقة شكلا ورسالة، شحنته بالغضب والخوف والقلق وهو ما يفسر التظاهر والاحتجاج. لا شيء قادر على إنقاذ تونس اليوم إلا انتخابات تجرى في أقرب وقت ممكن، إذ نفد صبر التونسيين ولا نعتقد أن هناك من يمكنه أن يتسامح مع تباطؤ المجلس الوطني التأسيسي والشد والجذب حول ما أسماه الضحية شكري بلعيد: الغنيمة.