مرّة جديدة يقفز ثلاثي: قطر نيكولا ساركوزي فيفا الى واجهة الفضائح الرياضية السياسية. تحقيق صحافي فرنسي جديد أظهر أن قطر أنفقت نحو 34 مليون يورو خلال عام 2010 من أجل إنشاء لوبي رياضي سياسي خوّلها الفوز باستضافة مونديال 2022. اجتماع سرّي في الإليزيه بحضور ساركوزي ورعايته حدد بنود الصفقة التي تفوح منها رائحة فساد كبيرة، ورشى لمسؤولين أفارقة في الاتحاد الدولي لكرة القدم ورسالة رسمية داخلية مسرّبة تقول: «لقد اشتروا المونديال». فهل تُعاد عملية التصويت لاختيار مضيف آخر للمونديال أم يقفل الملف بهدوء مرة جديدة؟ قبل أسابيع قليلة، خَطَب الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بالجماهير المحتشدة في افتتاح معرض «دوحة غولز» في العاصمة القطرية (برعاية الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني)، وتحدّث عن «الرياضة كمَثَل يجب أن يحتذى في السياسة والدبلوماسية وعلى الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي». لكن، عن أي «مَثَل» تحدث الرئيس الرياضي الطوباوي بحضرة الشيوخ القطريين والمسؤولين الاجانب؟ الجواب جاء على غلاف إحدى أبرز المجلات الرياضية الفرنسية أمس بعنوان «قطرغايت» أو «فضيحة قطر». الثلاثي: ساركوزي، قطر و«فيفا» برز مجددا في قلب فضيحة من شأنها أن تهزّ الأوساط السياسية الفرنسية والرياضية الدولية. ما مدى تورّط الرئيس ساركوزي شخصياً بالفضيحة؟ وهل باع رئيس الاتحاد الاوروبي لكرة القدم، الفرنسي ميشال بلاتيني، صوته مقابل مكاسب مادية؟ ماذا عن شراء الأصوات الأفريقية في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم؟ في تحقيق مؤلف من 15 صفحة نشرت مجلة «فرانس فوتبول» أمس فضيحة جديدة حول ملف استضافة قطر لمونديال 2022، مبيّنة كيف دفع القطريون رشى طائلة مقابل التصويت لها وكيف أشرف الرئيس الفرنسي السابق بنفسه على صفقة فساد لصالح الامارة. الخبر الذي نشرت «الأخبار» معظم تفاصيله في عدد 19 تشرين الاول 2012، أعادت تأكيده أمس المجلة الفرنسية متفرّدة ببعض الاضافات المثيرة للجدل. تورّط ال«فيفا» في ملف المونديال القطري أثير مرّات عدّة في الصحف العالمية وشكلت لجان تحقيق في قضاياه، لكن «فرانس فوتبول» ذكّرت أمس ب«الاجتماع السرّي» الذي عقد في قصر الإليزيه في 23 تشرين الثاني 2010 والذي ضمّ الرئيس ساركوزي وولي العهد القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وميشال بلاتيني وسيباستيان بازان المالك السابق لنادي «باريس سان جيرمان». وفي هذا الاجتماع، تشير المجلة، «عقدت صفقة تنصّ على بيع بلاتيني صوته لصالح قطر خلال التصويت لاستضافة المونديال، مقابل شراء الامارة نادي «باريس سان جيرمان» الذي كان يعاني من أزمة مالية كبيرة، وزيادة أسهمها في مجموعة «لاغاردير» الاعلامية، وإطلاق محطة تلفزيونية رياضية لمنافسة قناة «كانال بلوس» الفرنسية». وبعد الاجتماع بأسابيع قليلة أعلنت ال«فيفا» فوز قطر باستضافة مونديال عام 2022، وسط ذهول تام من قبل المرشحين الباقين. ولاحقاً، في عام 2011 قامت شركة قطر للاستثمارات بشراء 70 بالمئة من أسهم نادي «باريس سان جرمان»، كما أطلق القطريون شبكة «بي إن سبورت» التي تديرها قناة «الجزيرة» الرياضية وتتولى بث مباريات دوري الدرجة الاولى الفرنسية والبطولتين الأوروبيتين. ساركوزي كان اذاً الراعي الرسمي لصفقة فساد تمّت تحت سقف القصر الرئاسي وتضمّنت رشى ومحاولة مستغربة من رئيس دولة للدفع باتجاه تمويل أجنبي لإنشاء قناة تلفزيونية تنافس اخرى محلية! إضافة الى «اجتماع الاليزيه» كشفت «فرانس فوتبول» عن رسالة الكترونية داخلية مسرّبة كتب فيها الأمين العام للاتحاد الدولي لكرة القدم، جيروم فالك: «لقد اشتروا مونديال 2022». وفي محاولة فاشلة للدفاع عن نفسه، سارع فالك الى الردّ على الرسالة المسرّبة بالقول «قد أكون استخدمت في عبارتي تلك لهجة أقلّ حدّة... كنت أريد الحديث عن القدرة المالية لقطر، ولم أكن ألمّح أبداً الى شراء الاصوات». تحقيق المجلة الفرنسية كشف أيضاً عن المبالغ التي دفعتها قطر للأعضاء الأفارقة في لجنة «الفيفا» التنفيذية، «خصوصا عيسى حياتو وجاك أنوما اللذين حصل كل منهما على مبلغ 1،5 مليون يورو». كما اشارت المجلة الى ان قطر انفقت في 2010 مبلغ 1،25 مليون يورو لرعاية الجمعية العمومية «للاتحاد الافريقي» كطريقة للضغط من أجل الحصول على اصوات اعضائه الاربعة في اللجنة التنفيذية لل«فيفا». «فرانس فوتبول» أكدت أنها ستسلّم الادلة التي بحوزتها الى «الاتحاد الدولي لكرة القدم» الذي سبق له في 2011 ان فتح تحقيقاً في قضية دفع قطر الرشى للفوز باستضافة مونديال 2022، لكنه عاد واقفل الملف «لعدم وجود أدلة». المجلة الفرنسية ذهبت الى حدّ طرح سؤال: «هل يجب إلغاء التصويت؟» من أساسه، مذكّرة بالظروف غير المناسبة التي تحيط بإقامة المونديال في ظل حرارة قد تصل الى 50 درجة. التحقيق الصحافي تطرّق أيضاً الى المبالغ الطائلة التي أنفقتها الامارة من أجل التسويق لصورتها وقدراتها على استضافة الاحداث الرياضية الكبرى، والتي شارك فيها النجم الكروي زين الدين زيدان وغيره من الوجوه الإعلامية والبيئية المعروفة. شراء الجمهور! بثّت قناة «فرانس 2» نهاية العام الماضي شريطاً وثائقياً من ضمن سلسلة طويلة عنوانها «ما اللعبة التي تلعبها قطر؟» أو ماذا تريد قطر بالتحديد؟ الشريط الوثائقي يظهر مدى تمدد الاستثمارات القطرية في أوروبا وفرنسا تحديداً كما في بريطانيا وصولا الى أستراليا. وفي الشأن الرياضي، يركّز التحقيق التلفزيوني على إنفاق قطر الملايين لإقامة أحدث مركز طبي لمعالجة اللاعبين العالميين، وعلى المشروع المهول الذي تعد الامارة بإتمامه قبيل عام 2022 مثل إقامة ملاعب مبرّدة وتأمين الأجواء الطبيعية الضرورية للمباريات واللاعبين في المونديال المرتقب. الشريط يظهر أيضاً محاولات قطر اليائسة لتحفيز السكان للذهاب الى الملاعب وحضور المباريات، الا أن «القطريين يفضلون مشاهدتها على شاشات التلفزيون فقط». لكن قطر لجأت أيضاً الى شراء الجماهير، إذ يبيّن الوثائقي أن الهيئة القطرية لكرة القدم تلجأ الى العمّال الأجانب الذين يعملون في تنظيف وتأهيل الملاعب لملء المقاعد الفارغة في الملاعب الضخمة، مقابل تزويدهم بقميص رياضي ووجبة طعام. اذاً: «القطريون سيشاهدون لاعبين أجانب مجنّسين يلعبون أمام مشجعين من المهاجرين الأجانب... كل شيء يرجع للإمكانيات... ما أجمل الرياضة!»، يخلص الشريط الوثائقي.