منذ أن أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل قرار الإضراب العام اليوم (الخميس 13 ديسمبر (كانون الأول) الحالي) والتونسيون يحبسون أنفاسهم خوفا وتوترا وقلقا باقتراب الموعد المعلن للإضراب العام. قد تبدو كثيرا النقاط المفهومة للرأي العام التونسي في الداخل، غير أن تطور الوضع في تونس إلى حد الإضراب العام مع ما يعنيه مثل هذا القرار من دلالات وتأثيرات وخسائر وسيناريوهات مفتوحة ربما يبدو كل هذا غامضا للرأي العام العربي. طبعا قد يتراجع الاتحاد العام التونسي للشغل في آخر لحظة عن قراره، ولكن بغض النظر عن وقوع الإضراب العام أو العدول عنه، فإنه من وجهة نظر رمزية ومعنوية ونفسية واجتماعية وحتى سياسية يبدو أن الإضراب العام قد بدأ منذ لحظة الإعلان عنه. بل إن الأهداف المرجوة من ورائه وعلى رأسها إرباك الطرف السياسي الحاكم قد تحقق منه الكثير ومن ذلك نذكر اضطرار راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة إلى الاعتذار المقنع وغير المباشر للاتحاد بعد أن كان قبل ساعات طويلة من اعتذاره السبب المباشر في تصعيد الاتحاد قراره في اتجاه الإضراب العام. إذن الشق الرمزي من قرار الإضراب قد تحقق منه الكثير وهو في اعتقادنا الغرض الأساسي من قرار إعلان الإضراب ذلك أننا أمام صراع رمزي بامتياز. كما نشط اختيار قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل يوم الخميس دون غيره من أيام الأسبوع الذاكرة النقابية الاجتماعية التونسية التي استحضرت ما يسمى الخميس الأسود يوم 26 يناير 1978 الذي سال فيه الدم التونسي وجاءت الأحداث الدامية للخميس الأسود على إثر تأزم العلاقة بين الاتحاد والحكومة والحزب الدستوري وإعلانه – أي الاتحاد - إضرابا عاما. ليست خلفيات الخميس 26 يناير 1978 والخميس 13 ديسمبر هي نفسها. فالقاسم الوحيد بينهما هو دفاع الاتحاد عن وجوده وعن أحقيته في أن يكون رقما صعبا في المعادلة الوطنية التونسية. من هذا المنطلق، فإن قرار الإضراب العام في جوهره خطوة تأديبية ضد الحكومة وتحديدا حركة النهضة باعتبار أن فتيل الأزمة انطلق من اعتداء أطراف على منظمة الاتحاد في الوقت الذي كان يتهيأ فيه لإحياء ذكرى اغتيال مؤسسه فرحات حشاد. ويقول الاتحاد إن العناصر التي اعتدت عليه تابعة لرباطات حماية الثورة التي تدافع عنها حركة النهضة وممثلوها في الحكومة. لذلك، فإن قرار الإضراب هو خطوة تأديبية يهدف من ورائها الاتحاد إلى استعراض قوته كي يعدل من توجهات صاحب الأغلبية النسبية في الحكم التونسي الراهن ومن مواقفه وحساباته. وكي نفهم هذا التصعيد أو ما يصفه الاتحاد بالدفاع عن النفس من المهم التعرف إلى مضامين قوة الاتحاد ومصادرها. فهو يستند إلى باقة من الشرعيات: الشرعية النضالية التاريخية من خلال إسهامه في النضال ضد الاستعمار. كما أن هذه المنظمة تتمتع بالريادة فهي أعرق منظمة تونسية يعود تاريخ تأسيسها إلى يناير 1946 إضافة إلى مضمون القاعدة الاجتماعية العريضة حيث يبلغ عدد التونسيين المنخرطين فيها قرابة 500 ألف منخرط. وإذا ما أضفنا إلى كل هذه الشرعيات الدور البارز الذي لعبه الاتحاد في ثورة 14 يناير 2011، فإنه يمكن القول إنه يتمتع أيضا بالشرعية الثورية باعتبار أن اصطفاف الاتحاد إلى جانب الشعب منذ اندلاع الأحداث في 17 ديسمبر 2010 كانت الضربة القوية التي أطاحت بالنظام السابق. وعلى امتداد تاريخ تونس الحديث برزت حقيقة مفادها أن ضعف الاتحاد عبارة عن فتح الباب عريضا للشمولية والديكتاتورية. وكلما كان الاتحاد العام التونسي للشغل قويا كانت موازين القوى مضبوطة على إيقاع المشاركة الوفاقية في الحكم وإدارة الشأن العام ومن ثمة تترسخ أكثر فكرة صعوبة إعادة إنتاج الديكتاتورية.