في أول إعلان رسمي من السلطات الليبية عن اكتشاف جثة منصور الكيخيا، وزير الخارجية الليبي الأسبق وأحد أبرز معارضي نظام العقيد الراحل معمر القذافي، نعت وزارة الخارجية الكيخيا ووصفته بالمناضل الشهيد. وأعلنت وزارة الخارجية، في بيان أصدرته أمس وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، أنه سيقام حفل تأبين للكيخيا يوم الأحد 2 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، والذي يصادف عيد ميلاده في العاصمة الليبية طرابلس، قبل أن يتم نقل رفاته ليدفن بمسقط رأسه مدينة بنغازي مساء اليوم نفسه. ولفتت الوزارة إلى أن نظام الطغيان المنهار غيب الكيخيا لسنوات طويلة مارس فيها شتى أنواع الاستبداد والقمع والديكتاتورية والإرهاب، بعد أن اختطفه ثم قتله وأخفى جثمانه دليلا على أنه كان يخشاه ميتا أكثر مما كان يخشاه حيا. وثمنت الوزارة ما سمته بنضال الكيخيا في مجابهة نظام القمع السابق، مضيفة «لقد كان الكيخيا مثالا للمواطن الليبي الغيور الذي وهب حياته لخدمة بلاده وشعبه ودفع حياته ثمنا لتمسكه بمبادئه وعدم مهادنته لنظام الظلم الذي جثم على صدور أبناء شعبنا سنوات طويلة مارس فيها شتى أنواع التسلط والقهر والإذلال والقمع». وأضافت «نقول للمرحوم الكيخيا لقد أخذ الشعب الليبي بثأرك وثأر الآلاف من الشهداء، وتحررت بلادك من نظام الظلم والطغيان والديكتاتورية والفساد وإلى الأبد». وبعد مرور نحو 19 عاما على اختفائه المثير للجدل، عثرت السلطات الليبية على جثمان الكيخيا في فيلا خاصة بجهاز المخابرات الليبية السابق في العاصمة طرابلس. وخضعت عينة من الرفات للتحليل في معمل متخصص في سراييفو، حيث جاءت النتيجة إيجابية ومطابقة للحامض النووي للجثة (الدي إن إيه) مع عائلة وأولاد منصور، وفقا لما أكده محمود شقيق منصور الكيخيا ل«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي من مقره في طرابلس. وعثرت السلطات الليبية على ثلاث جثث في مكان حدده عبد الله السنوسي صهر القذافي وصندوقه الأسود، رئيس جهاز المخابرات الليبية السابق والمعتقل حاليا بطرابلس، حيث كان يعتقد في بادئ الأمر أنها تخص الإمام الشيعي اللبناني موسى الصدر الذي اختفى عن الأنظار مع اثنين من مرافقيه خلال آخر ظهور علني له في ليبيا في شهر أغسطس (آب) عام 1978. لكن التحليلات التي أجرتها السلطات اللبنانية نفت هذا الاحتمال، ليتجه الشك إلى أن إحداها ربما تخص الكيخيا وزير الخارجية الليبي الأسبق، الذي اختفى في ظروف مثيرة للجدل خلال زيارته للقاهرة عام 1993 ولم يظهر له أي آثر بعدها. لكن وقبل شهر واحد فقط من ذكرى اختفائه التاسعة عشرة، خلال الشهر المقبل، بدا واضحا للمرة الأولى أن القذافي قد خطف الكيخيا بالفعل من مصر، وأنه قتله لاحقا لرفضه التعاون مع نظامه. وترأس منصور المعارضة الليبية في الخارج في قمة عنفوان نظام القذافي، ورفض كل الإغراءات والتهديدات التي تعرض لها للقبول بالتعاون مع نظام القذافي أو التصالح معه. وعمل منصور، وهو دكتور في القانون الدولي من جامعة السوربون الفرنسية، كوزير للخارجية، وشغل منصب سفير ليبيا لدى الأممالمتحدة، قبل أن ينشق على نظام القذافي مطلع الثمانينات، علما بأنه كان ينظر إليه على أنه من أبرز وأقوى الشخصيات المعارضة ومن مؤسسي جبهة الإنقاذ الوطنية. وتقول المعلومات إن الكيخيا ربما لقي حتفه عام 1997، ودفن في حديقة الفيلا التي كان معتقلا بها، علما بأن هناك اتهامات موجهة إلى جهاز مخابرات القذافي بأنه نفذ عملية اختطاف الكيخيا في 11 ديسمبر من عام 1993 خلال مشاركته في اجتماع للمنظمة العربية لحقوق الإنسان بالقاهرة. وأثار اختفاء الكيخيا أزمة في العلاقات المصرية - الليبية، لكن نظام القذافي وقتها نفى مسؤوليته عن الاختفاء، بينما لم تعلن السلطات المصرية نتائج التحقيقات الرسمية التي أجرتها بصورة سرية حول هذا الملف. وبالنظر إلى أن زوجة منصور تحمل الجنسية الأميركية فقد تدخل الرئيس الأميركي وقتها بيل كلينتون، وطلب من السلطات المصرية المساعدة في حل هذا اللغز. ولا توجد حتى الآن أي رواية رسمية تكشف حقيقة ما جرى للكيخيا بعد نقله إلى الأراضي الليبية، بينما يقول مسؤولون ليبيون إنه من المرجح جدا أن يكون القذافي قد أمر بقتله بعدما فشل في إقناعه بالتعاون مع نظام حكمه.