كمعظم الهيئات السياسية والثقافية وحتى الاتحادات الرياضية التي يقع مقرّها في القاهرة، جرت العادة أن يكون رئيسها أو أمينها العام مصرياً. لم يشذ عن هذه القاعدة «الاتحاد العام للصحافيين العرب» منذ تأسيسه عام 1964، عندما اختير نقيب الصحافيين المصريين آنذاك حسين فهمي أول رئيس له، ومواطنه صبري أبو المجد أميناً عاماً. اختيار الرئيس من دولة المقر الذي تأسس بعد سنوات طويلة من ذلك، أسهل وأكثر واقعية، لكنه يتأثر أيضاً بما تشهده من تغيرات سياسية كبرى، كما جرى لجامعة الدول العربية عندما انتقل مقرها مؤقتاً من القاهرة إلى تونس بسبب توقيع أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل. أما اتحاد الصحافيين العرب، فيترقب آثار التحول السياسي المصري الأكبر منذ ثلاثة عقود. بعد أقل من شهرين، تجري انتخابات الاتحاد، فهل يكون نقيب الصحافة العربية للمرة الأولى «إخوانياً»؟ نقيب الصحافيين المصريين ممدوح الوليّ ليس عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، كما هي الحال مثلاً مع وزير الإعلام صلاح عبد المقصود، لكن الولي هو النقيب الذي دعمته الجماعة انتخابياً في مواجهة مرشح «تيار الاستقلال» يحيى قلاش. ورغم أنّ نقابة الصحافيين المصرية تشهد أقل قوة تصويتية إخوانية بين النقابات المصرية، إلا أن الجماعة استطاعت إيصال مرشحها إلى مقعد النقيب، مستفيدة من دعم مؤسسة «الأهرام» التي ينتمي إليها، وغياب مرشح مدعوم من الدولة كما كانت الحال في انتخابات العهود السابقة، لكن جلوس الوليّ على مقعده لم يأت مريحاً، إذ هيمن المستقلون والقوميون على مجلس النقابة، فبدا النقيب معزولاً وسط مجلسه، الذي حرص على اتخاذ مواقف سياسية ومهنية مستقلة عن رئيسه، ما أسهم في توكيد النظر إلى النقيب كمندوب للجماعة في النقابة العريقة، ووضعه في موقع الدفاع، لكن يبدو أنه قرر الهجوم بقرار خوضه الانتخابات المقبلة لاتحاد الصحافيين العرب في كانون الأول (ديسمبر) القادم. العادة اقتضت ألا يكون نقيب الصحافيين العرب مصرياً فقط، بل أن يكون هو الجالس على مقعد نقيب الصحافيين المصريين. لم تتغير تلك القاعدة إلا نادراً، إذ حافظ نقيب العرب الحالي إبراهيم نافع على ترشيحه وموقعه عربياً حتى بعدما ترك موقعه في رئاسة النقابة المصرية. وبينما ترشح نقيب الصحافيين المصريين التالي لنافع (مكرم محمد أحمد) لموقع الأمين العام للاتحاد العربي، اعتاد نافع ومكرم أن يتبادلا كرسي نقيب الصحافيين المصريين في دورات متعددة، ثم عصفت الثورة المصرية بالمواقع النقابية والسياسية، وأطاحت مكرم الذي استقال من موقعه في النقابة المصرية، لكنه حافظ على موقعه في الاتحاد العربي، وكذلك فعل نافع، وهنا نشبت الأزمة. إذ يسعى النقيب المصري الجديد إلى اتنزاع المقعد المحجوز تاريخياً لمن يرأس النقابة المصرية، لكن «النظام السياسي العربي» لم يعد كما كان، ولم تعد المقاعد توزع بمكالمات هاتفية بين زعماء متشابهين. ثمة شرعية جديدة تدفع بوجوه «إسلامية» لا تستحسنها الأنظمة القديمة، وخصوصاً الخليجية منها، تلك الأخيرة تتحكم تمويلياً في معظم الهيئات العربية، وقد بدأت ترى أنّ دعمها أفكار الإسلام السياسي وجماعاته لعقود بدأ ينقلب عليها، إذ سيثير عاجلاً أو آجلاً أسئلة الديموقراطية في مجتمعاتها «السنية». أما في اتحاد الصحافيين العرب، فتبدو الأزمة للوهلة الأولى مصرية خالصة، بين نقيبين مصريين سابق ولاحق. وتحدثت شائعات وتقارير صحافية عن محاولات من وراء الكواليس للاتفاق على شخصية مصرية ثالثة لا تنتمي إلى الإخوان ولا إلى النظام القديم، وكذلك عن تهديد بكسر القاعدة واختيار نقيب غير مصري، وهي الخطوة التي جرت في جامعة الدول العربية، عندما رشحت قطر وزير خارجيتها في مواجهة المصري مصطفى الفقي، ولم تسحبه إلا عند ترشح نبيل العربي. غير أنّ مفاجأة لم تكن في الحسبان جرت عندما وجّه جهاز الكسب غير المشروع المصري اتهامات إلى إبراهيم نافع بتضخم ثروته، مستغلاً موقعه السابق في رئاسة مجلس إدارة مؤسسة «الأهرام»، وهو الموقع الذي يشغله الآن ممدوح الولي. الاتهامات وجهت إلى نافع بين صحافيين آخرين من رموز عهد مبارك، لكن بعض الأصابع الصحافية ربطت بين توقيت توجيه الاتهام وانتخابات الصحافيين العرب، في محاولة للإيحاء بأنّ الاتهامات محاولة حكومية إخوانية لحسم معركة الانتخابات مبكراً وخارج الصناديق. ربما كانت تلك محض مبالغة، لكن مهما كانت نتيجة التحقيقات والانتخابات فالأكيد أنّ واقعاً سياسياً جديداً في العالم العربي سيترك أثره في الهيئات التي أسستها أنظمة القرن الماضي. تحديات كثيرة توافق الاجتماع التشاوري ل«الاتحاد العام للصحافيين العرب» على انعقاد المؤتمر العام للصحافيين العرب في القاهرة خلال الأسبوع الثالث من شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل بغية إجراء انتخابات رئاسته وأمانته العامة في مقر الاتحاد في القاهرة. وأصدر المؤتمر التشاوري للاتحاد بياناً منذ أسابيع جاء فيه أنّ المؤتمر العام سيبحث في اجتماعاته سبل «تطوير أعمال ومهمات ودور اتحاد الصحافيين العرب لتعزيز علاقة الاتحاد بالصحافيين العرب والنقابات الوطنية، وتطوير مهماته بما يمكنه من مجابهة التحديات التي تعترض حرية الصحافة والرأي والتعبير في بقاع كثيرة من العالم العربي».